[ ص: 695 ]
ثم دخلت سنة خمس وستين
ففيها اجتمع إلى نحو من سبعة عشر ألفا ، كلهم يطلبون سليمان بن صرد الحسين ممن قتله . الأخذ بثأر
وقد خطبهم حين خرجوا من سليمان بن صرد الكوفة في ربيع الأول من هذه السنة بالنخيلة ، فحرضهم على الجهاد في ذلك ، فقال : من كان خرج منكم لطلب الدنيا ذهبها وحريرها فليس معنا من ذلك شيء ، وإنما معنا سيوف على عواتقنا ، ورماح في أكفنا ، وزاد يكفينا حتى نلقى عدونا . فأجابوه إلى السمع والطاعة والحالة هذه ، ثم أشار عليهم بقصد سليمان بن صرد عبيد الله بن زياد ، فأشار بعضهم بمقاتلة من بالكوفة من رءوس القبائل من قتلة الحسين كعمر بن سعد بن أبي وقاص وأضرابه ، فامتنع إلا أن يذهبوا إلى سليمان بن صرد عبيد الله بن زياد ; فإنه هو الذي جهز إليه الجيوش ، وألب الناس عليه ، وامتنع من قبول ما طلبه منه ، وقال : ليس له إلا السيف ، وها هو قد أقبل من الشام قاصدا [ ص: 696 ] العراق . فصمم الناس معه على هذا الرأي .
فلما أزمعوا على ذلك بعث عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد أمراء الكوفة من جهة ابن الزبير إلى يقولان له : إنا نحب أن تكون أيدينا واحدة على سليمان بن صرد ابن زياد . وأنهم يريدون أن يبعثوا معهم جيشا ليقويهم على ما قصدوا له ، وبعثوا إليه البريد أن ينتظرهم حتى يقدموا عليه ، فتهيأ لقدومهم عليه في رءوس الأمراء ، وجلس في أبهته ، والجيوش محدقة به ، وأقبل سليمان بن صرد عبد الله بن يزيد في أشراف أهل وإبراهيم بن محمد بن طلحة الكوفة من غير قتلة الحسين ; لئلا يطمعوا فيهم ، وكان عمر بن سعد بن أبي وقاص في هذه الأيام كلها لا يبيت إلا في قصر الإمارة عند عبد الله بن يزيد خوفا على نفسه ، فلما اجتمع الأميران عند قالا له وأشارا عليه أن لا يذهبوا حتى تكون أيديهم كلهم واحدة على قتال عدوهم سليمان بن صرد ابن زياد ، ويجهزوا معهم جيشا آخر ; فإن أهل الشام جمع كثير وجم غفير ، وهم يحاجفون عن ابن زياد ، فامتنع من قبول قولهما وقال : إنا قد [ ص: 697 ] خرجنا لأمر لا نرجع عنه ، ولا نتأخر فيه . فانصرف الأميران راجعين إلى سليمان بن صرد الكوفة ، وانتظر وأصحابه أصحابهم الذين كانوا قد واعدوهم من أهل سليمان بن صرد البصرة وأهل المدائن أن يقدموا عليهم النخيلة في هذه السنة ، فلم يقدموا عليهم ولا واحد منهم ، فقام في أصحابه خطيبا ، وحرضهم على الذهاب لما خرجوا له ، وقال : لو قد سمع إخوانكم بمسيركم للحقوكم سراعا . فخرج سليمان بن صرد سليمان وأصحابه من النخيلة يوم الجمعة لخمس مضين من ربيع الأول ، سنة خمس وستين ، فسار بهم مراحل ، ما يتقدمون مرحلة إلى نحو الشام إلا تخلف عنه طائفة من الناس الذين معه ، فلما مروا بقبر الحسين صاحوا صيحة رجل واحد وتباكوا ، وباتوا عنده ليلة ، وظلوا يوما يدعون ويترحمون عليه ، ويستغفرون له ويترضون عنه ، ويتمنون أن لو كانوا ماتوا معه شهداء .
قلت : لو كان هذا العزم والاجتماع قبل وصول الحسين إلى تلك المنزلة لكان أنفع له وأنصر من اجتماعهم لنصرته بعد أربع سنين .
ولما أرادوا الانصراف جعل لا يسير أحد منهم حتى يأتي القبر فيترحم عليه ، ويستغفر له ، حتى جعلوا يزدحمون عليه أشد من ازدحامهم عند الحجر الأسود ، ثم ساروا قاصدين الشام ، فلما اجتازوا بقرقيسيا تحصن منهم زفر بن الحارث ، فبعث إليه : إنا لم نأت لقتالكم فأخرج إلينا سوقا ، فإنا إنما نقيم عندكم يوما أو بعض يوم . فأمر سليمان بن صرد زفر بن الحارث أن يخرج السوق إليهم ، [ ص: 698 ] وأمر للرسول إليه - وهو المسيب بن نجبة الفزاري - بفرس وألف درهم . فقال : أما المال فلا ، وأما الفرس فنعم . وبعث زفر بن الحارث إلى ورءوس الأمراء الذين معه ، إلى كل واحد عشرين جزورا وطعاما وعلفا كثيرا ، ثم خرج سليمان بن صرد زفر بن الحارث فشيعهم ، وساير وقال له : إنه قد بلغني أن أهل سليمان بن صرد الشام قد وجهوا إليكم جيشا كثيفا وعددا كثيرا مع حصين بن نمير ، وشرحبيل بن ذي الكلاع ، وأدهم بن محرز الباهلي ، وربيعة بن المخارق الغنوي ، وجبلة بن عبد الله الخثعمي . فقال : على الله توكلنا ، وعليه فليتوكل المتوكلون . ثم عرض عليهم سليمان بن صرد زفر بن الحارث أن يدخلوا مدينته أو يكونوا عند بابها ، فإن جاءهم أحد كان معهم عليه ، فأبوا أن يقبلوا شيئا من ذلك ، وقالوا : قد عرض علينا أهل بلدنا مثل ذلك فامتنعنا . قال : فإذا أبيتم ذلك فبادروهم إلى عين الوردة ، فيكون الماء والمدينة والأسواق خلف ظهوركم ، وما بيننا وبينكم فأنتم آمنون منه . ثم أشار عليهم بما يعتمدونه في حال القتال ، فأثنى عليه والناس خيرا ، ثم رجع عنهم ، وسار سليمان بن صرد فبادر إلى سليمان بن صرد عين الوردة ، فنزل غربيها ، وأقام هناك خمسا قبل وصول أعدائه إليه .