وأما رأسه رضي الله عنه
فالمشهور بين أهل التاريخ وعلماء السير أنه بعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية ، ومن الناس من أنكر ذلك ، وعندي أن الأول أشهر . والله أعلم .
ثم اختلفوا بعد ذلك في ; فروى المكان الذي دفن فيه الرأس محمد بن سعد [ ص: 581 ] أن يزيد بعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة فدفنه عند أمه بالبقيع .
وذكر ابن أبي الدنيا من طريق عثمان بن عبد الرحمن ، عن محمد بن عمر بن صالح - وهما ضعيفان - أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي ، فأخذ من خزانته ، فكفن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق . قلت : ويعرف مكانه بمسجد الرأس اليوم داخل باب الفراديس الثاني .
وذكر الحافظ في " تاريخه " في ترجمة ريا حاضنة بن عساكر يزيد بن معاوية ، أن يزيد حين وضع الحسين بين يديه تمثل بشعر رأس ابن الزبعرى ، يعني قوله :
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل قالت : ثم نصبه بدمشق ثلاثة أيام ، ثم وضع في خزائن السلاح ، حتى كان زمان سليمان بن عبد الملك فجيء به إليه ، وقد بقي عظما أبيض ، فكفنه وطيبه وصلى عليه ، ودفنه في مقابر المسلمين ، فلما جاءت المسودة - يعني بني العباس - نبشوا عن رأس الحسين وأخذوه معهم . وذكر أن هذه المرأة بقيت بعد دولة ابن عساكر بني أمية وقد جاوزت المائة سنة . فالله أعلم .
[ ص: 582 ] وادعت الطائفة المسمون بالفاطميين ، الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة أربعمائة إلى ما بعد سنة ستين وستمائة ، أن الحسين وصل إلى الديار المصرية ، ودفنوه بها وبنوا عليه المشهد المشهور به رأس بمصر ، الذي يقال له : تاج الحسين . بعد سنة خمسمائة . وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك ، وإنما أرادوا أن يروجوا بذلك بطلان ما ادعوه من النسب الشريف ، وهم في ذلك كذبة خونة ، وقد نص على ذلك وغير واحد من أئمة العلماء في دولتهم في حدود سنة أربعمائة ، كما سنبين ذلك كله إذا انتهينا إليه في مواضعه إن شاء الله تعالى . القاضي الباقلاني