باب ذكر شيء من علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه فضائل أمير المؤمنين
فمن ذلك أنه ، فهو أقرب العشرة المشهود لهم بالجنة نسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ، واسمه شيبة بن هاشم ، واسمه عمرو بن عبد مناف ، واسمه المغيرة بن قصي ، واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، أبو الحسن القرشي الهاشمي ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبوه أخو أبيه ، وأمه . قال فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الزبير بن بكار : وهي أول هاشمية ولدت هاشميا . وقد أسلمت وهاجرت ، وأبوه هو العم الشقيق الرفيق أبو طالب ، واسمه عبد مناف كذا نص عليه الإمام ، هو وغير واحد من علماء النسب وأيام الناس ، وزعمت أحمد بن حنبل الروافض أن اسم أبي طالب عمران ، وأنه المراد من قوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين [ آل عمران : 33 ] . وقد أخطئوا في ذلك خطأ كبيرا ، ولم يتأملوا القرآن [ ص: 30 ] قبل أن يقولوا هذا البهتان من القول في تفسيرهم له على غير مراد الله تعالى ، فإنه تعالى قد ذكر بعدها قوله تعالى إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا [ آل عمران : 35 ] . فذكر بعدها ميلاد مريم بنت عمران ، عليها السلام ، وهذا ظاهر ولله الحمد . وقد كان أبو طالب كثير المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يؤمن به بل مات على الكفر ، كما ثبت ذلك في " صحيح " من رواية البخاري عن أبيه ، في عرضه ، عليه الصلاة والسلام ، على عمه سعيد بن المسيب أبي طالب وهو في السياق أن يقول : لا إله إلا الله . فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فقال : كان آخر ما قال : هو على ملة عبد المطلب . وأبى أن يقول : لا إله إلا الله فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول " أما لأستغفرن لك ما لم أنه عنه " فنزل في ذلك قوله تعالى ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم [ التوبة : 113 : 114 ] . ونزلت إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين [ القصص : 56 ] . [ ص: 31 ] وقد تقدم هذا كله في أول المبعث ونبهنا على خطأ الرافضة في دعواهم أنه أسلم ، وافترائهم ذلك بلا دليل ، وعلى مخالفتهم النصوص الصحيحة الصريحة .
وأما علي ، رضي الله عنه ، فإنه أسلم قديما ، وهو دون البلوغ على المشهور ، ويقال : إنه أول من أسلم . وقد روي في ذلك حديث عنه ولا يصح ، والصحيح أنه أول من أسلم من الغلمان . كما أن خديجة أول من أسلم من النساء ، وأبو بكر الصديق أول من أسلم من الرجال الأحرار ، أول من أسلم من الموالي . وزيد بن حارثة
وقد روى الترمذي وأبو يعلى من حديث أنس بن مالك قال : علي يوم الثلاثاء . ورواه بعضهم ، عن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، وصلى مسلم الملائي ، عن حبة بن جوين عن علي وحديث حبة لا يساوي حبة .
وقد روى سلمة بن كهيل ، عن حبة ، عن علي قال : عبدت الله مع [ ص: 32 ] رسول الله سبع سنين قبل أن يعبده أحد . وهذا لا يصح أبدا ، وهو كذب .
وروى سفيان الثوري وشعبة ، عن سلمة ، عن حبة ، عن علي قال : أنا أول من أسلم . وهذا لا يصح أيضا ، وحبة ضعيف .
وقال : ثنا سويد بن سعيد نوح بن قيس ، ثنا سليمان بن عبد الله ، عن معاذة العدوية قالت : سمعت علي بن أبي طالب على منبر البصرة يقول : أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم . وهذا لا يصح . قاله . البخاري
وقد ثبت عنه بالتواتر أنه قال على منبر الكوفة أيها الناس ، إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر ، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميت .
قال : حدثنا الإمام أحمد سليمان بن داود ، ثنا أبو عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس قال : أول من صلى - وفي رواية : من أسلم - مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب . ورواه الترمذي من [ ص: 33 ] حديث شعبة ، عن أبي بلج به .
وقد روى عن زيد بن أرقم أنه صلى قبل الناس بسبع سنين . وهذا لا يصح من أي وجه كان . وقد روي في أنه أول من أسلم من هذه الأمة أحاديث كثيرة ، لا يصح منها شيء ، وأجود ما في ذلك ما ذكرناه ، على أنه قد خولف فيه ، وقد اعتنى وأبي أيوب الأنصاري في " تاريخه " بتطريق هذه الروايات ، فمن أراد كشف ذلك ، فعليه به ، والله الموفق للصواب . الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر
وقد روى الترمذي ، من حديث والنسائي شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن طلحة بن يزيد ، عن قال : أول من أسلم زيد بن أرقم علي . قال الترمذي : حسن صحيح .
وصحب علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بمكة ، وكان عنده في منزله وفي كفالته في حياة أبيه أبي طالب إلى أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتخلف علي بعده ليؤدي ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من ودائع الناس ، فإنه كان يعرف في قومه بالأمين ، فكانوا يودعونه الأموال والأشياء النفيسة ، ثم هاجر علي بعد رسول [ ص: 34 ] الله صلى الله عليه وسلم ، وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي وهو راض عنه ، وحضر معه مشاهده كلها ، وجرت له مواقف شريفة بين يديه في مواطن الحرب ، كما بينا ذلك في السيرة بما أغنى عن إعادته هاهنا ، كيوم بدر وأحد والأحزاب وخيبر وغيرها ، ولما استخلفه عام تبوك على أهله بالمدينة قال : " هارون من موسى ، غير أنه لا نبي بعدي . وقد ذكرنا تزويجه أما ترضى أن تكون مني بمنزلة صلى الله عليه وسلم ودخوله بها بعد وقعة فاطمة بنت رسول الله بدر بما أغنى عن إعادته ، ولما رجع عليه الصلاة والسلام من حجة الوداع ، فكان بين مكة والمدينة بمكان يقال له : غدير خم . خطب الناس هنالك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فقال في خطبته : " فعلي مولاه " . وفي بعض الروايات من كنت مولاه " اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره ، واخذل من خذله " والمحفوظ الأول .
وإنما كان سبب هذه الخطبة والتنبيه على فضل علي ما ذكره ابن إسحاق من أن عليا لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أميرا هو ، ورجع وخالد بن الوليد علي ، فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع وقد كثرت فيه المقالة ، وتكلم فيه بعض من كان معه بسبب استرجاعه منهم خلعا كان خلعها نائبه [ ص: 35 ] عليهم لما تعجل السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع أحب أن يبرئ ساحة علي مما نسب إليه من القول فيه ، وقد اتخذت الروافض هذا اليوم عيدا ، فكانت تضرب فيه الطبول ببغداد في أيام بني بويه في حدود الأربعمائة ، كما سننبه عليه إذا انتهينا إليه إن شاء الله ، ثم بعد ذلك بنحو من عشرين يوما تعلق المسوح السود على أبواب الدكاكين وتذر التبن والرماد في الطرق والأسواق ، وتدور النساء في سكك البلد ينحن على الحسين بن علي يوم عاشوراء صبيحة قراءتهم المصرع المكذوب في قتل الحسين ، وسنبين ذلك كله إذا انتهينا إليه وكيف وقع الأمر على الجلية ، إن شاء الله تعالى . وقد كان بعض بني أمية يعيب على علي في أبا تراب ، وهو اسم سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت في " الصحيحين " عن تسميته سهل بن سعد ، أن عليا غاضب فاطمة ، فراح إلى المسجد ، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجده نائما وقد لصق التراب بجلده ، فجعل ينفض عنه التراب ويقول : " اجلس أبا تراب ، اجلس أبا تراب " .