قصة نيل مصر
روينا من طريق ابن لهيعة ، عن قيس بن الحجاج ، عمن حدثه قال : لما افتتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص - حين دخل بؤنة من أشهر [ ص: 97 ] العجم - فقالوا : أيها الأمير ، لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها . قال : وما ذاك ؟ قالوا : إذا كانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر ، عمدنا إلى جارية بكر من أبويها ، فأرضينا أبويها ، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ، ثم ألقيناها في هذا النيل . فقال لهم عمرو : إن هذا مما لا يكون في الإسلام ، إن الإسلام يهدم ما قبله . قال : فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى والنيل لا يجري قليلا ولا كثيرا ، حتى هموا بالجلاء ، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك ، فكتب إليه : إنك قد أصبت بالذي فعلت ، وإني قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي ، فألقها في النيل . فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة فإذا فيها : من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر ، أما بعد ، فإن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر ، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك ، فنسأل الله تعالى أن يجريك . قال : فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت ، وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة ، وقطع الله [ ص: 98 ] تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم .
قال سيف بن عمر : وفي ذي القعدة من هذه السنة - وهي عنده سنة ست عشرة - جعل عمر المسالح على أرجاء مصر ، وذلك لأن هرقل أغزا الشام ومصر في البحر .
قال ابن جرير وفي هذه السنة غزا أرض الروم - وهو أول من دخلها فيما قيل - فسلم وغنم ، وقيل : أول من دخلها أبو بحرية عبد الله بن قيس الكندي ميسرة بن مسروق العبسي
قال الواقدي : وفيها عزل عمر عن قدامة بن مظعون البحرين وحده في الشراب ، وولى على البحرين واليمامة أبا هريرة الدوسي ، رضي الله عنه .
قال : وفيها شكا أهل الكوفة سعدا في كل شيء ، حتى قالوا : لا يحسن يصلي . فعزله عنها وولى عليها عبد الله بن عبد الله بن عتبان ، وكان نائب سعد . وقيل : بل ولاها عمرو بن ياسر .
[ ص: 99 ] وقال : حدثنا الإمام أحمد سفيان ، عن عبد الملك ، سمعه من قال : شكا جابر بن سمرة أهل الكوفة سعدا إلى عمر فقالوا : إنه لا يحسن يصلي . قال : الأعاريب ! والله ما آلو بهم عن صلاة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في الظهر والعصر ، أركد في الأوليين ، وأحذف في الأخريين . فسمعت عمر يقول : كذلك الظن بك يا أبا إسحاق .
وفي " صحيح مسلم " أن عمر بعث من يسأل عنه أهل الكوفة ، فأثنوا خيرا إلا رجلا يقال له : أبو سعدة أسامة بن قتادة . قام فقال : أما إذ نشدتنا ، فإن سعدا لا يقسم بالسوية ، ولا يعدل في القضية ، ولا يخرج في السرية . فقال سعد : اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام رياء وسمعة ، فأطل عمره ، وأدم فقره ، وعرضه للفتن . فأصابته دعوة سعد ، فكان شيخا كبيرا يرفع حاجبيه عن عينيه ، ويتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن ، فيقال له في ذلك ؛ فيقول : شيخ كبير مفتون أصابته دعوة سعد .
[ ص: 100 ] وقد قال عمر في وصيته - وذكره في الستة - : فإن أصابت الإمرة سعدا فذاك ، وإلا فليستعن به أيكم ولي ، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة .
قال : وفيها أجلى عمر يهود خيبر عنها إلى أذرعات وغيرها ، وفيها أجلى عمر يهود نجران منها أيضا إلى الكوفة ، وقسم خيبر ، ووادي القرى ، ونجران بين المسلمين .
قال : وفيها دون عمر الدواوين . وزعم غيره أنه دونها قبل ذلك . فالله أعلم .
قال : وفيها بعث عمر علقمة بن مجزز المدلجي إلى الحبشة في البحر فأصيبوا ، فآلى عمر على نفسه أن لا يبعث جيشا في البحر بعدها . وقد خالف الواقدي في هذا أبو معشر ، فزعم أن غزوة الحبشة إنما كانت في سنة إحدى وثلاثين . يعني في خلافة عثمان بن عفان والله أعلم .
قال الواقدي : وفيها تزوج عمر فاطمة بنت الوليد بن عتبة - التي مات عنها الحارث بن هشام في الطاعون - وهي أخت خالد بن الوليد
قال : وفيها مات بلال بدمشق ، في شعبان ، [ ص: 101 ] وأسيد بن الحضير أم المؤمنين ، وهي أول من مات من أمهات المؤمنين ، رضي الله عنها . وزينب بنت جحش
قال : وفيها مات هرقل ، وقام بعده ولده قسطنطين .
قال : وحج بالناس في هذه السنة عمر . ونوابه وقضاته ، ومن تقدم في التي قبلها ، سوى من ذكرنا أنه عزله وولى غيره .