فصل بعرفة
قد تقدم أنه ، عليه الصلاة والسلام ، أفطر يوم عرفة ، فدل على أن الإفطار هناك أفضل من الصيام ; لما فيه من التقوية على الدعاء ; لأنه المقصود الأهم هناك ، ولهذا وقف ، عليه الصلاة والسلام ، وهو راكب على الراحلة ، من لدن الزوال إلى أن غربت الشمس . فيما حفظ من دعائه ، عليه الصلاة والسلام ، وهو واقف
وقد روى في " مسنده " عن أبو داود الطيالسي حوشب بن عقيل ، عن مهدي الهجري ، عن عكرمة ، عن ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي هريرة ، أنه نهى عن بعرفة صوم يوم عرفة
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا حوشب بن عقيل ، حدثني مهدي المحاربي ، حدثني قال : عكرمة مولى ابن عباس دخلت على في بيته ، فسألته عن صوم يوم عرفة أبي هريرة بعرفات ، فقال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات . وقال عبد الرحمن مرة : عن مهدي [ ص: 574 ] العبدي . وكذلك رواه أحمد ، عن ، عن وكيع حوشب ، عن مهدي العبدي ، فذكره . وقد رواه أبو داود ، عن سليمان بن حرب ، عن حوشب ، عن والنسائي سليمان بن معبد ، عن سليمان بن حرب به ، وعن الفلاس ، عن ابن مهدي به ، ، عن وابن ماجه أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد ، كلاهما عن ، عن وكيع حوشب .
وقال : أنبأنا الحافظ البيهقي أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا : حدثنا ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أبو أسامة الكلبي ، ثنا حسن بن الربيع ، ثنا الحارث بن عبيد ، عن حوشب بن عقيل ، عن مهدي الهجري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة . قال : كذا قال البيهقي الحارث بن عبيد ، والمحفوظ : عن عكرمة ، عن . أبي هريرة
وروى في " صحيحه " عن أبو حاتم محمد بن حبان البستي عبد الله بن عمر أنه سئل عن صوم يوم عرفة ، فقال : حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ، ومع أبي بكر فلم يصمه ، ومع عمر فلم يصمه ، وأنا فلا أصومه ، ولا آمر [ ص: 575 ] به ولا أنهى عنه
قال الإمام مالك ، عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش ، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له " . أفضل الدعاء يوم عرفة قال : هذا مرسل ، وقد روي عن البيهقي مالك بإسناد آخر موصولا ، وإسناده ضعيف .
وقد روى الإمام أحمد ، من حديث والترمذي عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل الدعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . وللإمام أحمد أيضا ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة : " لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير " .
وقال أبو عبد الله بن منده : أنبأنا أحمد بن إسحاق بن أيوب النيسابوري ، ثنا أحمد بن داود بن جابر الأحمسي ، ثنا ، ثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي فرج بن [ ص: 576 ] فضالة ، عن يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير " .
وقال الإمام أحمد : ثنا - ثنا يزيد - يعني ابن عبد ربه الجرجسي بقية بن الوليد ، حدثني جبير بن عمرو القرشي ، عن أبي سعيد الأنصاري ، عن أبي يحيى مولى آل الزبير بن العوام ، عن ، رضي الله عنه ، قال : الزبير بن العوام سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية : " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " ( آل عمران : 18 ) وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب .
وقال في " مناسكه " : ثنا الحافظ أبو القاسم الطبراني الحسن بن مثنى بن معاذ العنبري ، ثنا ، ثنا عفان بن مسلم قيس بن الربيع ، عن الأغر بن الصباح ، عن خليفة ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل ما قلت أنا والأنبياء قبلي ، عشية عرفة : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير " .
[ ص: 577 ] وقال الترمذي في الدعوات : ثنا محمد بن حاتم المؤدب ، ثنا علي بن ثابت ، ثنا قيس بن الربيع ، وكان من بني أسد ، عن الأغر بن الصباح ، عن خليفة بن حصين ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : كان أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في الموقف : " اللهم لك الحمد كالذي نقول ، وخيرا مما نقول ، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي ، ولك رب تراثي ، أعوذ بك من عذاب القبر ، ووسوسة الصدر ، وشتات الأمر ، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تهب به الريح " . ثم قال : غريب من هذا الوجه وليس إسناده بالقوي .
وقد رواه ، من طريق الحافظ البيهقي موسى بن عبيدة ، عن أخيه عبد الله بن عبيدة ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم قال : تفرد به " إن أكثر دعاء من كان قبلي ودعائي يوم عرفة ، أن أقول : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، اللهم اجعل في بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي قلبي نورا ، اللهم اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر ، وشتات الأمر ، وشر فتنة القبر ، وشر ما يلج في الليل ، وشر ما يلج في النهار ، وشر ما تهب به الرياح ، وشر بوائق الدهر " . موسى بن عبيدة ، وهو ضعيف ، وأخوه عبد الله لم يدرك عليا .
وقال في " مناسكه " : حدثنا الطبراني يحيى بن عثمان المصري ، ثنا [ ص: 578 ] يحيى بن بكير ، ثنا يحيى بن صالح الأيلي ، عن إسماعيل بن أمية ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : كان فيما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " اللهم إنك تسمع كلامي ، وترى مكاني ، وتعلم سري وعلانيتي ، ولا يخفى عليك شيء من أمري ، أنا البائس الفقير ، المستغيث المستجير ، الوجل المشفق ، المقر المعترف بذنبه ، أسألك مسألة المسكين ، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير ; من خضعت لك رقبته ، وفاضت لك عبرته ، وذل لك جسده ، ورغم لك أنفه ، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا ، وكن بي رءوفا رحيما ، يا خير المسئولين ويا خير المعطين " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، أنبأنا عبد الملك ، ثنا عطاء قال : قال أسامة بن زيد كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات ، فرفع يديه يدعو ، فمالت به ناقته فسقط خطامها . قال : فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى . وهكذا رواه ، عن النسائي يعقوب بن إبراهيم ، عن هشيم به .
وقال الحافظ : أنبأنا البيهقي أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو عبد الله محمد بن [ ص: 579 ] يعقوب ، ثنا علي بن الحسن ، ثنا ، ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز ، عن ابن جريج حسين بن عبد الله الهاشمي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : بعرفة يداه إلى صدره كاستطعام المسكين . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو
وقال في " مسنده " : حدثنا أبو داود الطيالسي عبد القاهر بن السري ، حدثني ابن لكنانة بن العباس بن مرداس ، عن أبيه ، عن جده عباس بن مرداس ، عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة ، فأكثر الدعاء ، فأوحى الله إليه : إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا ، وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم ، فقد غفرتها . فقال : " يا رب ، إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته ، وتغفر لهذا الظالم " . فلم يجبه تلك العشية ، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء ، فأجابه الله تعالى : إني قد غفرت لهم . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بعض أصحابه : يا رسول الله ، تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها . قال : " تبسمت من عدو الله إبليس ; إنه لما علم أن الله عز وجل قد استجاب لي في أمتي ، أهوى يدعو بالويل والثبور ، ويحثو التراب على رأسه " . ورواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشية أبو داود السجستاني في " سننه " عن عيسى بن إبراهيم البركي ، كلاهما عن وأبي الوليد الطيالسي عبد القاهر بن السري ، عن ابن كنانة بن [ ص: 580 ] عباس بن مرداس ، عن أبيه ، عن جده مختصرا . ورواه ابن ماجه ، عن أيوب بن محمد الهاشمي بن عبد القاهر بن السري ، عن عبد الله بن كنانة بن عباس ، عن أبيه ، عن جده به مطولا . ورواه ابن جرير في " تفسيره " عن إسماعيل بن سيف العجلي ، عن عبد القاهر بن السري ، عن ابن كنانة ويكنى أبا كنانة ، عن أبيه ، عن جده العباس بن مرداس ، فذكره .
وقال الحافظ : ثنا أبو القاسم الطبراني إسحاق بن إبراهيم الدبري ، ثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عمن سمع قتادة يقول : ثنا خلاس بن عمرو ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة : " أيها الناس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم ، فغفر لكم ، إلا التبعات فيما بينكم ، ووهب مسيئكم لمحسنكم ، وأعطى محسنكم ما سأل ، فادفعوا بسم الله " . فلما كان بجمع قال : " إن الله قد غفر لصالحيكم ، وشفع صالحيكم في طالحيكم ، [ ص: 581 ] فتعمهم ، ثم تفرق الرحمة في الأرض ، فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده ، وإبليس وجنوده على تنزل الرحمة جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم ، فإذا نزلت الرحمة دعا هو وجنوده بالويل والثبور ، يقول : كنت أستفزهم حقبا من الدهر ، فجاءت المغفرة فغشيتهم . فيتفرقون يدعون بالويل والثبور " .