[ ص: 503 ] فصل في إيراد حديث رضي الله عنه ، في جابر بن عبد الله حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو وحده منسك مستقل ، رأينا أن إيراده هاهنا أنسب ; لتضمنه التلبية وغيرها مما سلف وما سيأتي ، فنورد طرقه وألفاظه ، ثم نتبعه بشواهده من الأحاديث الواردة في معناه ، وبالله المستعان .
قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، ثنا ، حدثني أبي قال : جعفر بن محمد وهو في جابر بن عبد الله بني سلمة ، فسألناه عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث فيالمدينة تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج هذا العام . قال : فنزل المدينة بشر كثير ، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويفعل ما يفعل ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر بقين من ذي القعدة وخرجنا معه ، حتى إذا أتى ذا الحليفة نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أصنع ؟ قال : " " . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء ، أهل بالتوحيد : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " . ولبى الناس ، والناس [ ص: 504 ] يزيدون : ذا المعارج . ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ، فلم يقل لهم شيئا ، فنظرت مد بصري بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من راكب وماش ، ومن خلفه مثل ذلك ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن شماله مثل ذلك . قال اغتسلي ثم استثفري بثوب ، ثم أهلي جابر : ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، عليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء عملناه ، فخرجنا لا ننوي إلا الحج ، حتى إذا أتينا الكعبة ، فاستلم نبي الله صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود ، ثم حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم ، فصلى خلفه ركعتين ، ثم قرأ : رمل ثلاثة ، ومشى أربعة ، واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ( البقرة : 125 ) قال أحمد : وقال أبو عبد الله - يعني جعفرا - : . ثم فقرأ فيهما بالتوحيد وقل يا أيها الكافرون استلم الحجر ، الصفا ، ثم قرأ : إن الصفا والمروة من شعائر الله ( البقرة : 158 ) . ثم قال : " نبدأ بما بدأ الله به " . وخرج إلى الصفا ، حتى إذا نظر إلى البيت كبر ، ثم قال : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، وصدق عبده ، وهزم - أو غلب - الأحزاب وحده " . ثم دعا ، ثم رجع إلى هذا الكلام ثم نزل ، فرقي على المروة ، فرقي عليها حتى نظر إلى البيت ، فقال عليها كما قال على الصفا ، فلما كان السابع عند حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل ، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة قال : " يا أيها الناس ، إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، لم أسق الهدي ، ولجعلتها عمرة ، " . فحل الناس كلهم ، فقال فمن لم يكن معه هدي فليحل ، وليجعلها عمرة سراقة بن مالك بن جعشم وهو في أسفل الوادي : يا رسول الله ، ألعامنا هذا أم [ ص: 505 ] للأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه ، فقال : " للأبد " . ثلاث مرات . ثم قال : " " . قال : وقدم دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة علي من اليمن بهدي ، وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه من هدي المدينة هديا ، فإذا فاطمة قد حلت ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت ، فأنكر ذلك علي عليها ، فقالت : أمرني به أبي . قال : قال علي بالكوفة - قال جعفر : قال أبي : هذا الحرف لم يذكره جابر - : فذهبت محرشا أستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي ذكرت فاطمة ، قلت : إن فاطمة لبست ثيابا صبيغا واكتحلت ، وقالت : أمرني به أبي . قال : " صدقت صدقت صدقت ، أنا أمرتها به " . وقال جابر : وقال لعلي : " بم أهللت ؟ " قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك . قال : ومعي الهدي . قال : " فلا تحل " . قال : وكان جماعة الهدي الذي أتى به علي من اليمن ، والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ، ثم فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثا وستين ، أعطى عليا فنحر ما غبر ، ثم وأشركه في هديه ، ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد نحرت هاهنا ، أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر فأكلا من لحمها ، وشربا من مرقها " . ومنى كلها منحر بعرفة فقال : " وقفت هاهنا ، ووقف وعرفة كلها موقف " . ووقف بالمزدلفة وقال : " وقفت هاهنا ، " . والمزدلفة كلها موقف هكذا أورد الإمام أتينا أحمد هذا الحديث ، وقد اختصر آخره جدا . ورواه الإمام مسلم بن الحجاج في المناسك من " صحيحه " ، عن أبي بكر بن [ ص: 506 ] أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم ، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل ، عن ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فذكره . جابر بن عبد الله
وقد أعلمنا على الزيادات المتفاوتة من سياق أحمد ومسلم إلى ، لعلي : " صدقت صدقت ، ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ " قال : قلت : . قال : " فإن معي الهدي فلا تحل " . قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به اللهم إني أهل بما أهل به رسولك صلى الله عليه وسلم علي من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة . قال : فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي ، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك وأمر بقبة له من شعر ، فضربت له بنمرة ، قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام ، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر فرحلت له ، فأتى بطن الوادي ، فخطب الناس وقال : " بالقصواء عليكم ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم ، هذا في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم [ ص: 507 ] ابن إن دماءكم وأموالكم حرام ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وأول ربا أضعه ربانا ; ربا وربا الجاهلية موضوع ، ، فإنه موضوع كله ، العباس بن عبد المطلب فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم واتقوا الله في النساء ، فإن فعلن ذلك عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فاضربوهن ضربا غير مبرح ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ; كتاب الله ، وأنتم تسألون عني ; فما أنتم قائلون ؟ " قالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت . فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء ، وينكتها إلى الناس : " اللهم اشهد ، اللهم اشهد " . ثلاث مرات ، ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل جبل المشاة بين يديه ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، واستقبل القبلة ، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ، وأردف فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، أسامة بن زيد خلفه ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام ، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى : [ ص: 508 ] " أيها الناس ، السكينة السكينة " . كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر ، ثم ركب القصواء حتى أتى فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، فدعاه وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، ودفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف ، وكان رجلا حسن الشعر ، أبيض وسيما ، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت ظعن يجرين ، فطفق الفضل بن العباس الفضل ينظر إليهن ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل ، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر ، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل ، فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر ، حتى إذا أتى بطن محسر ، فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى فنحر ثلاثا وستين بيده ، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر ، وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر فطبخت ، فأكلا من لحمها وشربا من [ ص: 509 ] مرقها ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأفاض إلى البيت ، فصلى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات - يكبر مع كل حصاة منها - حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم ، فقال : " انزعوا بني عبد المطلب ، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم ، لنزعت معكم " . فناولوه دلوا فشرب منه . ثم رواه قوله ، عليه الصلاة والسلام مسلم ، عن عمر بن حفص ، عن أبيه ، عن ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد جابر ، فذكره بنحوه ، وذكر قصة أبي سيارة ، وأنه كان يدفع بأهل الجاهلية على حمار عري ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ومنى كلها منحر ، فانحروا في رحالكم ، ووقفت هاهنا ، وعرفة كلها موقف ، ووقفت هاهنا ، وجمع كلها موقف " . وقد رواه نحرت هاهنا أبو داود بطوله عن النفيلي وعثمان بن أبي شيبة وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن - وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشيء - أربعتهم عن حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر ، بنحو من رواية مسلم ، وقد رمزنا لبعض زياداته عليه . ورواه أبو داود أيضا ، عن والنسائي يعقوب بن إبراهيم ، عن ، عن يحيى بن سعيد القطان جعفر به . ورواه أيضا عن النسائي ، عن محمد بن المثنى يحيى بن سعيد ببعضه ، وعن إبراهيم بن هارون البلخي ، عن حاتم بن إسماعيل ببعضه .