قال عن يونس بن بكير ابن إسحاق : ثم استتب برسول الله صلى الله عليه وسلم سفره وأجمع السير ، فلما خرج يوم الخميس ضرب عسكره على ثنية الوداع ، [ ص: 155 ] ومعه زيادة على ثلاثين ألفا من الناس ، وضرب عبد الله بن أبي عدو الله عسكره أسفل منه ، وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين ، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي في طائفة من المنافقين وأهل الريب .
قال ابن هشام المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري قال : وذكر واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدراوردي أنه استخلف عليها عام تبوك سباع بن عرفطة .
قال ابن إسحاق : وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم فأرجف به المنافقون ، وقالوا : ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه . فلما قالوا ذلك أخذ علي سلاحه ، ثم خرج حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف ، فأخبره بما قالوا فقال علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ؟ فرجع : كذبوا ولكني خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى يا علي ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره .
ثم قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي هذه المقالة وقد روى البخاري ومسلم هذا الحديث من طريق شعبة عن سعد بن إبراهيم عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه به .
[ ص: 156 ] وقد قال في " مسنده " : حدثنا أبو داود الطيالسي شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال : يا رسول الله ، أتخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال : هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ؟ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة وأخرجاه من طرق ، عن " شعبة نحوه . وعلقه أيضا من طريق البخاري أبي داود عن شعبة .
وقال : حدثنا الإمام أحمد قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم بن إسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له - وخلفه في بعض مغازيه ، فقال علي : يا رسول الله ، تخلفني مع النساء والصبيان ؟ - فقال : علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ؟ رواه يا مسلم عن والترمذي قتيبة زاد مسلم : كلاهما عن ومحمد بن عباد حاتم بن إسماعيل به . وقال الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوجه .
قال ابن إسحاق : ثم إن أبا خيثمة رجع بعد ما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما [ ص: 157 ] إلى أهله في يوم حار ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه ، قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت فيه ماء ، وهيأت له فيه طعاما ، فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ، في ماله مقيم ! ما هذا بالنصف . ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيئا زادا . ففعلتا ، ثم قدم ناضحه فارتحله ، ثم وأبو خيثمة تبوك وقد كان أدرك خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب : إن لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم . ففعل حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الناس : هذا راكب على الطريق مقبل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبا خيثمة " . فقالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو خيثمة . فلما بلغ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : " أولى لك يا أبا خيثمة ! " . ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ، فقال خيرا ، ودعا له بخير . " كن
وقد ذكر عروة بن الزبير قصة وموسى بن عقبة بنحو من سياق أبي خيثمة محمد بن إسحاق وأبسط ، وذكر أن خروجه ، عليه السلام ، إلى تبوك [ ص: 158 ] كان في زمن الخريف . فالله أعلم .
قال ابن هشام وقال أبو خيثمة ، واسمه مالك بن قيس ، في ذلك :
لما رأيت الناس في الدين نافقوا أتيت التي كانت أعف وأكرما وبايعت باليمنى يدي لمحمد
فلم أكتسب إثما ولم أغش محرما تركت خضيبا في العريش وصرمة
صفايا كراما بسرها قد تحمما وكنت إذا شك المنافق أسمحت
إلى الدين نفسي شطره حيث يمما
قال : حدثنا الإمام أحمد عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرنا عبد الله بن [ ص: 160 ] محمد بن عقيل في قوله تعالى : الذين اتبعوه في ساعة العسرة ( التوبة : 117 ) . قال : خرجوا في غزوة تبوك الرجلان والثلاثة على بعير واحد ، وخرجوا في حر شديد ، فأصابهم في يوم عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم ليعصروا أكراشها ويشربوا ماءها ، فكان ذلك عسرة في الماء وعسرة في النفقة وعسرة في الظهر .
قال : أخبرني عبد الله بن وهب عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن عن نافع بن جبير أنه قيل عبد الله بن عباس لعمر بن الخطاب : حدثنا عن . فقال شأن ساعة العسرة عمر : خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد ، فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع ، حتى إن كان أحدنا ليذهب فيلتمس الرحل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع ، حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه ، ثم يجعل ما بقي على كبده ، فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله إسناده جيد ، ولم يخرجوه [ ص: 161 ] من هذا الوجه . ، إن الله قد عودك في الدعاء خيرا ، فادع الله لنا . فقال : " أتحب ذلك ؟ " قال : نعم . قال : فرفع يديه نحو السماء ، فلم يرجعهما حتى قالت السماء ، فأظلت ثم سكبت ، فملئوا ما معهم ، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر
وقد ذكر ابن إسحاق عن ، عن رجال من قومه أن هذه القضية كانت وهم عاصم بن عمر بن قتادة بالحجر ، وأنهم قالوا لرجل معهم منافق : ويحك ! هل بعد هذا من شيء ؟ ! فقال سحابة مارة . وذكر أن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضلت ، فذهبوا في طلبها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمارة بن حزم الأنصاري - وكان عنده - : إن رجلا قال : هذا محمد يخبركم أنه نبي ويخبركم خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته . وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله ، وقد دلني الله عليها ، هي في الوادي قد حبستها شجرة بزمامها " . فانطلقوا فجاءوا بها فرجع عمارة إلى رحله ، فحدثهم عما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبر الرجل ، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة : إنما قال ذلك زيد بن اللصيت وكان في رحل عمارة قبل أن يأتي ، فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه ويقول : إن في رحلي لداهية وأنا لا أدري ، اخرج عني يا عدو الله ، فلا تصحبني . فقال بعض الناس : إن زيدا تاب . وقال بعضهم : لم يزل مصرا حتى هلك .
قال : وقد روينا من حديث الحافظ البيهقي ابن مسعود شبيها بقصة الراحلة . ثم روى من حديث الأعمش وقد رواه عن الإمام أحمد أبي [ ص: 162 ] معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أو عن أبي هريرة - شك أبي سعيد الخدري الأعمش - قال : تبوك أصاب الناس مجاعة ، فقالوا : يا رسول الله ، لو أذنت لنا فننحر نواضحنا ، فأكلنا وادهنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " افعلوا " . فجاء يوم غزوة عمر فقال : يا رسول الله ، إن فعلت قل الظهر ، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ، وادع الله لهم فيها بالبركة ، لعل الله أن يجعل فيها البركة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " . فدعا بنطع فبسطه ، ثم دعا بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ، ويجيء الآخر بكف من التمر ، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة ، ثم قال لهم : " خذوا في أوعيتكم " . فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه وأكلوا حتى شبعوا ، وفضلت فضلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة " . ورواه لما كان مسلم عن أبى كريب عن أبى معاوية عن الأعمش به . ورواه من حديث الإمام أحمد سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن . ولم يذكر غزوة أبي هريرة تبوك بل قال : كان في غزوة غزاها .