قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن أم عيسى الخزاعية ، عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب ، عن جدتها قالت : أسماء بنت عميس لما أصيب جعفر وأصحابه ، دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد دبغت أربعين منا ، وعجنت عجيني ، وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم ، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ائتني ببني جعفر " . فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ما يبكيك ، أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟ قال : " نعم ، أصيبوا هذا اليوم " قالت : فقمت أصيح ، واجتمع إلي النساء ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال : " ، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما وهكذا رواه الإمام أحمد من حديث ابن إسحاق ، ورواه ابن ماجه من طريق محمد بن إسحاق ، ، وعن عبد الله بن أبي بكر ، عن أم عيسى ، عن أم عون بنت محمد بن جعفر ، عن أسماء ، فذكر الأمر بعمل الطعام . والصواب أنها أم [ ص: 440 ] جعفر وأم عون
وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، ثنا جعفر بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر قال : لما جاء نعي جعفر حين قتل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اصنعوا لآل جعفر طعاما ، فقد أتاهم أمر يشغلهم أو : أتاهم ما يشغلهم وهكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث وابن ماجه سفيان بن عيينة عن جعفر بن خالد بن سارة المخزومي المكي ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر ، وقال الترمذي : حسن .
ثم قال محمد بن إسحاق : حدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : جعفر ، عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن . قالت : فدخل عليه رجل ، فقال : يا رسول الله ، إن النساء عنيننا وفتننا . قال : " ارجع إليهن فأسكتهن " قالت : فذهب ثم رجع ، فقال له مثل ذلك . قالت : وربما ضر التكلف . يعني أهله . قلت : قال : " فاذهب فأسكتهن ، فإن أبين فاحث في أفواههن التراب " . قالت : وقلت [ ص: 441 ] في نفسي : أبعدك الله ، فوالله ما تركت نفسك ، وما أنت بمطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : وعرفت أنه لا يقدر على أن يحثي في أفواههن التراب انفرد به لما أتى نعي ابن إسحاق من هذا الوجه ، وليس في شيء من الكتب .
وقال : ثنا البخاري قتيبة ، ثنا عبد الوهاب ، سمعت يحيى بن سعيد قال : أخبرتني قالت : سمعت عمرة عائشة تقول : لما قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب ، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الحزن . قالت وعبد الله بن رواحة عائشة : وأنا أطلع من صائر الباب - شق - فأتاه رجل فقال : أي رسول الله ، إن نساء جعفر . وذكر بكاءهن ، فأمره أن ينهاهن . قالت : فذهب الرجل ، ثم أتى فقال : والله لقد غلبننا . فزعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فاحث في أفواههن من التراب " قالت عائشة ، رضي الله عنها : فقلت : أرغم الله أنفك ، فوالله ما أنت تفعل ، وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء وهكذا رواه مسلم وأبو داود من طرق ، عن والنسائي يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن عنها [ ص: 442 ] . عمرة ،
وقال الإمام أحمد : حدثنا ثنا أبي ، سمعت وهب بن جرير ، محمد بن أبي يعقوب يحدث عن الحسن بن سعد ، عن عبد الله بن جعفر قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا ، استعمل عليهم ، وقال : " إن قتل زيد بن حارثة زيد أو استشهد فأميركم جعفر ، فإن قتل أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة " . فلقوا العدو ، فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه ، وأتى خبرهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إلى الناس ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : إن إخوانكم لقوا العدو ، وإن زيدا أخذ الراية فقاتل حتى قتل أو استشهد ، ثم أخذ الراية بعده فقاتل حتى قتل أو استشهد ، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل أو استشهد ، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ، خالد بن الوليد ، ففتح الله عليه " . قال : ثم أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ، ثم أتاهم فقال : " لا تبكوا على أخي بعد اليوم ، ادعوا لي ابني أخي " . قال : فجيء بنا كأننا أفرخ ، فقال : " ادعوا لي الحلاق " فجيء بالحلاق ، فحلق رءوسنا ، ثم قال : " أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب ، وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي " ثم أخذ بيدي فأشالها وقال : " اللهم اخلف جعفرا في أهله ، بارك لعبد الله في صفقة يمينه " . قالها [ ص: 443 ] ثلاث مرات . قال : فجاءت أمنا فذكرت له يتمنا ، وجعلت تفرح له ، فقال : " العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ورواه أبو داود ببعضه ، في السير بتمامه من حديث والنسائي به وهذا يقتضي أنه عليه الصلاة والسلام أرخص لهم في وهب بن جرير ، ، ثم نهاهم عنه بعدها . البكاء ثلاثة أيام
ولعله معنى الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، من حديث الحكم ، عن عن عبد الله بن شداد ، أسماء ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها لما أصيب جعفر : " تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت تفرد به أحمد . فيحتمل أنه أذن لها في التسلب ، وهو المبالغة في البكاء وشق الثياب ، ويكون هذا من باب التخصيص لها بهذا ، لشدة حزنها على جعفر أبي أولادها ، وقد يحتمل أن يكون أمرا لها بالتسلب ، وهو ، ثم تصنع بعد ذلك ما شاءت ، مما يفعله المعتدات على أزواجهن ، من الإحداد المعتاد . والله أعلم . ويروى [ ص: 444 ] : " تسلي ثلاثا " . أي تصبري ثلاثا ، وهذا بخلاف الرواية الأخرى . والله أعلم . المبالغة في الإحداد ثلاثة أيام
فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، ثنا محمد بن طلحة ، ثنا عن الحكم بن عتيبة ، عن عبد الله بن شداد ، أسماء بنت عميس قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال : " لا تحدي بعد يومك هذا فإنه من أفراد أحمد أيضا ، وإسناده لا بأس به ، ولكنه مشكل إن حمل على ظاهره ، لأنه قد ثبت في " الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميتها أكثر من ثلاثة أيام ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا فإن كان ما رواه الإمام أحمد محفوظا ، فتكون مخصوصة بذلك ، أو هو أمر بالمبالغة في الإحداد هذه الثلاثة أيام كما تقدم . والله أعلم .
قلت : ورثت زوجها بقصيدة تقول فيها : أسماء بنت عميس
فآليت لا تنفك نفسي حزينة عليك ولا ينفك جلدي أغبرا فلله عينا من رأى مثله فتى
أكر وأحمى في الهياج وأصبرا
فآليت لا تنفك نفسي حزينة عليك ولا ينفك جلدي أغبرا