[ ص: 414 ] ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة
استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر ، وولاته وقضاته المذكورون في التي قبلها ، إلا الشافعي بالشام فتوفي القزويني ، وتولى العلامة السبكي .
ومما وقع أن جماعة من رءوس من الحوادث العظيمة الهائلة النصارى اجتمعوا في كنيستهم ، وجمعوا من بينهم مالا جزيلا ، فدفعوه إلى راهبين قدما عليها من بلاد الروم ، يحسنان صنعة النفط ، اسم أحدهما ميلاني ، والآخر عازر ، فعملا كعكا من نفط ، وتلطفا حتى عملاه لا يظهر تأثيره إلا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك ، فوضعا في شقوق دكاكين التجار في سوق الرجال عند الدهشة في عدة دكاكين من آخر النهار ، بحيث لا يشعر أحد بهما ، وهما في زي المسلمين ، فلما كان في أثناء الليل لم يشعر الناس إلا والنار قد عملت في تلك الدكاكين حتى تعلقت في درابزينات المئذنة الشرقية المتجهة للسوق المذكور ، واحترقت الدرابزينات ، وجاء نائب السلطنة تنكز والأمراء أمراء الألوف ، [ ص: 415 ] وصعدوا المنارة وهي تشتعل نارا ، واحترسوا عن الجامع فلم ينله شيء من الحريق ، ولله الحمد والمنة ، وأما المئذنة فإنها تفجرت أحجارها ، واحترقت السقالات التي بدل السلالم ، فهدمت وأعيد بناؤها بحجارة جدد ، وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديث أنه ينزل عليها عيسى بن مريم كما سيأتي الكلام عليه في نزول عيسى - عليه السلام - والبلد محاصر بالدجال .
والمقصود أن النصارى بعد ليال عمدوا إلى ناحية الجامع من الغرب إلى القيسارية التي يعمل فيها سلاح المسلمين من الأقواس ، فألقوا فيها النفط ، فاحترقت القيسارية بكمالها وبما فيها من الأقواس والعدد ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وتطاير شرر النار إلى ما حول القيسارية من الدور والمساكن والمدارس ، واحترق جانب من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكورة ، وما كان مقصودهم إلا وصول النار إلى معبد المسلمين ، فحال الله بينهم وبين ما يرومون ، وجاء نائب السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريق والمسجد ، جزاهم الله خيرا .
ولما تحقق نائب السلطنة أن هذا من فعلهم ، أمر بمسك رءوس النصارى ، فأمسك منهم نحوا من ستين رجلا ، فأخذوا بالمصادرات ، والضرب ، والعقوبات ، وأنواع المثلات ، ثم بعد ذلك صلب منهم أزيد من عشرة على الجمال ، وطاف بهم في أرجاء البلاد ، وجعلوا يتماوتون واحدا بعد واحد ، ثم أحرقوا بالنار حتى صاروا رمادا ، لعنهم الله .