: الأمير وممن توفي فيها من الأعيان أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي اللحياني المغربي ، أمير بلاد المغرب ، ولد بتونس قبل سنة خمسين وستمائة ، وقرأ الفقه والعربية ، وكان ملوك تونس تعظمه وتكرمه ؛ لأنه من بيت الملك والإمرة والوزارة ، ثم بايعه أهل تونس على الملك في سنة [ ص: 283 ] إحدى عشرة وسبعمائة ، وكان شجاعا مقداما ، وهو أول من أبطل ذكر ابن التومرت من الخطبة ، مع أن جده أبا حفص الهنتاتي كان من أخص أصحاب ابن التومرت ، توفي في المحرم من هذه السنة بمدينة الإسكندرية ، رحمه الله .
الشيخ الصالح العابد الناسك ضياء الدين أبو الفداء إسماعيل بن عز الدين عمر بن رضي الدين أبي الفضل المسلم بن الحسن بن نصر الدمشقي ، المعروف بابن الحموي ، كان هو وأبوه وجده من الكتاب المشهورين المشكورين ، وكان هو كثير التلاوة ، والصلاة ، والصيام ، والبر ، والصدقة ، والإحسان إلى الفقراء والأغنياء ، ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة ، وسمع الحديث الكثير ، وخرج له البرزالي مشيخة سمعناها عليه ، وكان من صدور أهل دمشق ، توفي يوم الجمعة رابع عشر صفر ، وصلي عليه ضحوة يوم السبت ، ودفن بباب الصغير ، وحج وجاور وأقام بالقدس مدة ، مات وله ثنتان وتسعون سنة ، رحمه الله تعالى . وقد ذكر أن والده حين ولد له ، فتح المصحف يتفاءل فإذا قوله الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق [ إبراهيم : 39 ] فسماه إسماعيل ، ثم ولد له آخر فسماه إسحاق ، وهذا من الاتفاق الحسن ، رحمهم الله تعالى .
الشيخ علي المجارفي ، علي بن أحمد بن هوس الهلالي ، أصل جده من [ ص: 284 ] قرية آبل السوق ، وأقام والده بالقدس ، وحج هو مرة ، وجاور بمكة سنة ثم حج ، وكان رجلا صالحا مشهورا ، ويعرف بالمجارفي ؛ لأنه كان يجرف الأزقة ويصلح الرصفان لله تعالى ، وكان يكثر التهليل والذكر جهرة ، وكان عليه هيبة ووقار ، ويتكلم كلاما فيه تخويف وتحذير من النار وعواقب الردى ، وكان ملازما لمجالس ابن تيمية ، وكانت وفاته يوم الثلاثاء ثالث عشرين ربيع الأول ، ودفن بتربة الشيخ موفق الدين بالسفح ، وكانت جنازته حافلة جدا ، رحمه الله تعالى .
الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد بن الملك السعيد فتح الدين عبد الملك ابن السلطان الملك الصالح إسماعيل أبي الجيش بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، أحد أكابر الأمراء وأبناء الملوك ، كان من محاسن البلد ذكاء ، وفطنة ، وحسن عشرة ، ولطافة كلام ، بحيث يسرد كثيرا من الكلام بمنزلة الأمثال من قوة ذهنه وحذاقة فهمه ، وكان رئيسا من أجواد الناس ، توفي عشية الأربعاء عشرين جمادى الأولى ، وصلي عليه ظهر الخميس بصحن الجامع تحت النسر ، ثم أرادوا دفنه عند جده لأمه الملك الكامل فلم يتيسر ذلك ، فدفن بتربة أم الصالح ، سامحه الله ، وكان له سماع كثير ، سمعنا عليه منه ، وكان يحفظ تاريخا جيدا ، وقام ولده الأمير صلاح الدين مكانه في إمرة الطبلخاناه ، وجعل أخوه في عشرته ، ولبسا الخلع السلطانية بذلك .
[ ص: 285 ] الشيخ الإمام نجم الدين أحمد بن محمد بن أبي الحزم القرشي المخزومي القمولي ، كان من أعيان الشافعية ، وشرح " الوسيط " ، وشرح " الحاجبية " في مجلدين ، ودرس ، وحكم بمصر ، وكان محتسبا بها أيضا ، وكان مشكور السيرة فيها ، وقد تولى بعده الحكم نجم الدين بن عقيل ، والحسبة ناصر الدين بن فار السقوف ، توفي في رجب وقد جاوز الثمانين ، ودفن بالقرافة ، رحمه الله تعالى .
الشيخ الصالح أبو القاسم عبد الرحمن بن موسى بن خلف الحزامي ، أحد مشاهير الصالحين بمصر ، توفي بالروضة في منتصف رجب ، وحمل إلى شاطئ النيل ، وصلي عليه ، وحمل على الرءوس والأصابع ، ودفن عند ابن أبي حمزة وقد قارب الثمانين ، وكان ممن يقصد للزيارة ، رحمه الله تعالى .
القاضي عز الدين عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن عيسى بن عمر بن الخضر الهكاري الشافعي ، قاضي المحلة ، كان من خيار القضاة ، وله تصنيف على حديث المجامع في رمضان ، يقال : إنه استنبط فيه ألف حكم . توفي في [ ص: 286 ] رمضان ، وقد كان حصل كتبا كثيرة جيدة ، منها " التهذيب " لشيخنا المزي .
الشيخ كمال الدين بن الزملكاني شيخنا الإمام العلامة كمال الدين أبو المعالي بن الشيخ علاء الدين علي بن عبد الواحد بن خطيب زملكا عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري الشافعي ، ابن الزملكاني ، شيخ الشافعية بالشام وغيرها ، انتهت إليه رياسة المذهب تدريسا ، وإفتاء ، ومناظرة ، ويقال في نسبه : السماكي ، نسبة إلى ، والله أعلم . ولد ليلة الاثنين ثامن شوال سنة ست وستين وستمائة ، وسمع الكثير ، واشتغل على الشيخ أبي دجانة سماك بن خرشة تاج الدين الفزاري ، وفي الأصول على القاضي بهاء الدين بن الزكي ، وفي النحو على بدر الدين بن مالك وغيرهم ، وبرع ، وحصل ، وساد أقرانه من أهل مذهبه ، وحاز قصب السبق عليهم بذهنه الوقاد في تحصيل العلم الذي أسهره ومنعه الرقاد ، وعبارته التي هي أشهى من كل شيء معتاد ، وخطه الذي هو أنضر من أزاهير الوهاد ، وقد درس بعدة مدارس بمدينة دمشق ، وباشر عدة جهات كبار كنظر الخزانة ، ونظر المارستان النوري ، وديوان الملك السعيد ، ووكالة بيت المال ، وله تعاليق مفيدة ، واختيارات حميدة سديدة ، ومناظرات سعيدة ، ومما علقه قطعة كبيرة من " شرح المنهاج " للنووي ، ومجلد كبير في الرد على الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مسألة الطلاق ، وغير ذلك ، [ ص: 287 ] وأما دروسه في المحافل فلم أسمع أحدا من الناس درس أحسن منها ، ولا أجلى من عبارته ، وحسن تقريره ، وجودة احترازاته ، وصحة ذهنه ، وقوة قريحته ، وحسن نظمه ، وقد درس بالشامية البرانية ، والعذراوية ، والظاهرية ، والجوانية ، والرواحية ، والمسرورية ، فكان يعطي كل واحدة منهن حقها ، بحيث كان يكاد ينسخ بكل واحد من تلك الدروس ما قبله من حسنه وفصاحته ، ولا يهوله تعداد الدروس وكثرة الفقهاء والفضلاء ، بل كلما كان الجمع أكثر والفضلاء أكبر كان الدرس أنضر وأنظر ، وأجلى وأنصح وأفصح . ثم لما انتقل إلى قضاء حلب وما معه من المدارس العديدة عامله معاملة مثلها ، وأوسع في الفضيلة جميع أهلها ، وسمعوا من العلوم ما لم يسمعوا هم ولا آباؤهم ، ثم طلب إلى الديار المصرية ليولى الشامية دار السنة النبوية ، فعاجلته المنية قبل وصوله إليها ، فمرض وهو سائر على البريد تسعة أيام ، ثم عقب المرض بحران الحمام ، فقبضه هاذم اللذات ، وحال بينه وبين سائر الشهوات والإرادات ، وكان من نيته الخبيثة إذا [ ص: 288 ] رجع إلى والأعمال بالنيات ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه الشام متوليا أن يؤذي شيخ الإسلام ابن تيمية ، فدعا عليه فلم يبلغ أمله ومراده ، فتوفي في سحر يوم الأربعاء سادس عشر شهر رمضان بمدينة بلبيس ، وحمل إلى القاهرة ، ودفن بالقرافة ليلة الخميس جوار قبة ، تغمدهما الله برحمته . الشافعي
الحاج علي المؤذن المشهور بالجامع الأموي ، الحاج علي بن نوح بن أبي الفضل الكتاني ، كان أبوه من خيار المؤذنين ، فيه صلاح ودين ، وله قبول عند الناس ، وكان حسن الصوت جهوره ، وفيه تودد وخدمة وكرم ، وحج غير مرة ، وسمع من وغيره ، توفي ليلة الأربعاء ثالث ذي القعدة ، وصلي عليه غدوة ، ودفن ابن أبي عمر بباب الصغير .
وفي ذي القعدة توفي الشيخ فضل ابن الشيخ الرجيحي التونسي ، وأجلس أخوه يوسف مكانه بالزاوية .