الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي في مستهل المحرم بدر الدين محمد بن ممدود بن أحمد الحنفي ، قاضي قلعة الروم بالحجاز الشريف ، وقد كان عبدا صالحا ، حج مرات عديدة ، وربما أحرم من قلعة الروم ، وأحرم من بيت المقدس ، وصلي عليه بدمشق صلاة الغائب ، وعلى شرف الدين بن العز ، وعلى شرف الدين بن نجيح ، توفوا في أقل من نصف شهر ، كلهم بطريق الحجاز بعد فراغهم من الحج ، وذلك أنهم غبطوا ابن نجيح صاحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية بتلك الموتة كما تقدم ، فرزقوها ، فماتوا عقيب عملهم الصالح بعد الحج .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الجهة الكبيرة خوند بنت نوكاي ، زوجة السلطان الملك الناصر ، وقد [ ص: 246 ] كانت زوجة أخيه الملك الأشرف ، ثم هجرها الناصر وأخرجها من القلعة ، وكانت جنازتها حافلة ، ودفنت بتربتها التي أنشأتها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ محمد بن جعفر بن فرعوش ، ويقال له : اللباد ، ويعرف بالموله ، كان يقرئ الناس بالجامع نحوا من أربعين سنة ، وقد قرأت عليه شيئا من القرآن ، وكان يعلم الصغار الحروف المشقة ، كالراء ونحوها ، وكان متقللا من الدنيا ، لا يقتني شيئا ، وليس له بيت ولا خزانة ، إنما كان يأكل في السوق وينام في الجامع ، توفي في مستهل صفر وقد جاوز السبعين ، ودفن في باب الفراديس ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا اليوم توفي بمصر الشيخ أيوب السعودي ، وقد قارب المائة ، أدرك الشيخ أبا السعود ، وكانت جنازته مشهودة ، ودفن بتربة شيخه بالقرافة ، وكتب عنه قاضي القضاة تقي الدين السبكي في حياته ، وذكر الشيخ أبو بكر الرحبي أنه لم ير مثل جنازته بالقاهرة منذ سكنها ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الإمام الزاهد نور الدين أبو الحسن علي بن يعقوب بن جبريل البكري المصري الشافعي ، له تصانيف ، وقرأ " مسند الشافعي " على وزيرة [ ص: 247 ] بنت المنجا ، ثم إنه أقام بمصر ، وقد كان في جملة من ينكر على شيخ الإسلام ابن تيمية ، فأراد بعض الدولة قتله ، فهرب واختفى ، كما تقدم لما كان ابن تيمية مقيما بمصر ، وما مثاله إلا مثال ساقية ضعيفة كدرة ، لاطمت بحرا عظيما صافيا ، أو رملة أرادت زوال جبل ، وقد أضحك العقلاء عليه ، وقد أراد السلطان قتله ، فشفع فيه بعض الأمراء ، ثم أنكر مرة شيئا على الدولة فنفي من القاهرة إلى بلدة يقال لها : دهروط ، فكان بها حتى توفي يوم الاثنين سابع ربيع الآخر ، ودفن بالقرافة ، وكانت جنازته مشهورة غير مشهودة ، وكان شيخه ينكر عليه إنكاره على ابن تيمية ، ويقول له : أنت لا تحسن أن تتكلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ محمد الباجربقي ، الذي تنسب إليه الفرقة الضالة الباجربقية ، والمشهور عنهم إنكار الصانع جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، وقد كان والده الشيخ جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الموصلي رجلا صالحا من علماء الشافعية ، ودرس في أماكن بدمشق ، ونشأ ولده هذا بين الفقهاء ، واشتغل بعض شيء ، ثم أقبل على السلوك ، ولازمه جماعة يعتقدون فيه ويزورونه ممن هو [ ص: 248 ] على طريقته ، وآخرون لا يفهمونه ، ثم حكم القاضي المالكي بإراقة دمه ، فهرب إلى الشرق ، ثم إنه أثبت عداوة بينه وبين الشهود ، فحكم الحنبلي بحقن دمه ، فأقام بالقابون مدة سنين حتى كانت وفاته ليلة الأربعاء سادس عشر ربيع الآخر ، ودفن بالقرب من مغارة الدم بسفح قاسيون في قبة في أعلى ذيل الجبل تحت المغارة ، وله من العمر ستون سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شيخنا القاضي المعمر الفقيه محيي الدين أبو زكريا يحيى بن الفاضل جمال الدين إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي ، اشتغل على النواوي ، ولازم المقدسي ، وولي الحكم بزرع وغيرها ، ثم قام بدمشق يشتغل في الجامع ، ودرس في الصارمية ، وأعاد في مدارس عدة إلى أن توفي في سلخ ربيع الآخر ، ودفن بقاسيون وقد قارب الثمانين ، رحمه الله ، وسمع كثيرا ، وخرج له الذهبي شيئا ، وسمعنا عليه " الدارقطني " وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الفقيه الكبير الصدر الإمام العالم الخطيب بالجامع بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد بن الحداد الآمدي الحنبلي ، سمع الحديث ، واشتغل ، وحفظ " المحرر " في مذهب الإمام أحمد ، وبرع على ابن [ ص: 249 ] حمدان ، وشرحه عليه في مدة سنين ، وقد كان ابن حمدان يثني عليه كثيرا وعلى ذهنه وذكائه ، ثم اشتغل بالكتابة ، ولزم خدمة الأمير قراسنقر بحلب ، فولاه نظر الأوقاف وخطابة حلب بجامعها الأعظم ، ثم لما صار إلى دمشق ولاه الخطابة ، فاستمر خطيبا فيها اثنين وأربعين يوما ، ثم أعيد إليها جلال الدين القزويني ، ثم ولي نظر المارستان وولي الحسبة ونظر الجامع الأموي ، وعين لقضاء الحنابلة في وقت ، ثم توفي ليلة الأربعاء سابع جمادى الآخرة ، ودفن بباب الصغير ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الكاتب المفيد قطب الدين أحمد بن مفضل بن فضل الله المصري ، أخو محيي الدين كاتب تنكز ، ووالد الصاحب علم الدين كان خبيرا بالكتابة ، وقد ولي استيفاء الأوقاف بعد أخيه ، وكان أسن من أخيه ، وهو الذي علمه صناعة الكتابة وغيرها ، توفي ليلة الاثنين ثاني رجب ، وعمل عزاؤه بالسميساطية ، وكان مباشر أوقافها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير الكبير ملك العرب محمد بن عيسى بن مهنا ، أخو مهنا ، توفي بسلمية يوم السبت سابع رجب ، وقد جاوز الستين ، كان مليح الشكل ، حسن السيرة ، عاقلا عارفا ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا الشهر وصل الخبر إلى دمشق بموت الوزير الكبير تاج الدين [ ص: 250 ] علي شاه بن أبي بكر التبريزي ، وزير بو سعيد بعد قتل سعد الدين الساوي ، وكان شيخا جليلا ، فيه دين وخير ، وحمل إلى تبريز فدفن بها في الشهر الماضي ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير سيف الدين بكتمر ، والي الولاة ، صاحب الأوقاف في بلدان شتى من ذلك مدرسة بالصلت ، وله درس بمدرسة أبي عمر ، وغير ذلك ، توفي بالإسكندرية وهو نائبها في خامس رمضان ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شرف الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العلامة زين الدين بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الحنبلي ، أخو قاضي القضاة علاء الدين ، سمع الحديث ، ودرس ، وأفتى ، وصحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، وكان فيه دين ، ومودة ، وكرم ، وقضاء حقوق كثيرة ، توفي ليلة الاثنين رابع شوال ، وكان مولده في سنة خمس وسبعين وستمائة ، ودفن بتربتهم بالصالحية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ حسن الكردي الموله ، كان يخالط النجاسات والقاذورات ويمشي حافيا ، وربما تكلم بشيء من الهذيانات التي تشبه علم المغيبات ، ولبعض الناس فيه اعتقادات ، كما هو المعروف من أهل العمى [ ص: 251 ] والضلالات ، مات في شوال .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كريم الدين الذي كان وكيل السلطان ، عبد الكريم بن العلم هبة الله المسلماني ، حصل له من الأموال ، والتقدم ، والمكانة الخطيرة عند السلطان ما لم يحصل لغيره في دولة الأتراك ، وقد وقف الجامعين بدمشق أحدهما بالقبيبات والحوض الكبير الذي تجاه باب الجامع ، واشترى له نهر ماء بخمسين ألفا ، فانتفع به الناس انتفاعا كثيرا ، ووجدوا رفقا ، والثاني الذي بالقابون ، وله صدقات كثيرة ، تقبل الله منه وعفا عنه ، وقد مسك في آخر عمره ، فصودر ثم نفي إلى الشوبك ، ثم إلى القدس ، ثم الصعيد ، فخنق نفسه - كما قيل - في عمامته بمدينة أسوان ، وذلك في الثالث والعشرين من شوال ، وقد كان حسن الشكل ، تام القامة ، ووجد له بعد موته ذخائر كثيرة ، سامحه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الإمام العالم علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود بن سليمان بن العطار ، شيخ دار الحديث النورية ، ومدرس القوصية بالجامع ، ولد يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمائة ، وسمع الحديث ، واشتغل على الشيخ الإمام العالم العلامة محيي الدين النواوي ، ولازمه حتى كان يقال له : مختصر النواوي ، وله مصنفات ، وفوائد ومجاميع ، وتخاريج ، وباشر مشيخة النورية من سنة [ ص: 252 ] أربع وتسعين إلى هذه السنة ، مدة ثلاثين سنة ، توفي يوم الاثنين منها مستهل ذي الحجة ، فولي بعده النورية علم الدين البرزالي ، وتولى القوصية شهاب الدين بن حرز الله ، وصلي عليه بالجامع ، ودفن بقاسيون ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية