أبو محمد القاسم بهاء الدين
الحافظ ابن الحافظ أبي القاسم [ ص: 732 ] علي بن هبة الله بن عساكر ، كان مولده في سنة سبع وعشرين وخمسمائة ، أسمعه أبوه الكثير ، وشارك أباه في أكثر مشايخه ، وكتب تاريخ أبيه مرتين بخطه ، وكتب الكثير ، وأسمع ، وصنف كتبا عدة ، وخلف أباه في إسماع الحديث بالجامع ، ودار الحديث النورية .
وكانت وفاته يوم الخميس ثامن صفر ، ودفن بعد العصر على أبيه بمقابر باب الصغير شرقي قبور الصحابة خارج الحظيرة ؛ رحمهما الله .
الحافظ عبد الغني المقدسي
عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور ، الحافظ أبو محمد المقدسي ، صاحب التصانيف المشهورة ، من ذلك : " الكمال في أسماء الرجال " و " الأحكام الكبرى " و " الصغرى " وغير ذلك ، ولدبجماعيل في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ، وهو أسن من ابن خالته الإمام بأربعة أشهر ، وكان قدومهما مع أهلهما من موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ، بيت المقدس إلى مسجد أبي صالح أولا ، ثم انتقلوا إلى السفح فعرفت المحلة بهم ، فقيل لها : الصالحية . فسكنوا الدير ، وقرأ الحافظ عبد الغني القرآن ، وسمع الحديث ، وارتحل هو والموفق إلى بغداد سنة ستين وخمسمائة ، فأنزلهما الشيخ عبد القادر عنده في المدرسة ، وكان لا يترك أحدا ينزل عنده ، ولكنه توسم فيهما النجابة والخير [ ص: 733 ] والصلاح ، فأكرمهما وأسمعهما ، ثم توفي بعد مقدمهما بخمسين ليلة .
وكان ميل عبد الغني إلى الحديث وأسماء الرجال ، وميل الموفق إلى الفقه ، واشتغلا على الشيخ أبي الفرج ابن المني ، ثم قدما دمشق بعد أربع سنين ، فدخل عبد الغني إلى مصر وإسكندرية ، ثم عاد إلى دمشق ثم ارتحل إلى الجزيرة وبغداد ، ثم رحل إلى أصبهان فسمع بها الكثير ، ووقف على مصنف في أسماء الصحابة - قلت : وهو عندي بخط للحافظ أبي نعيم أبي نعيم - فأخذ في مناقشته في أماكن من الكتاب في مائة وتسعين موضعا ، فغضب بنو الخجندي من ذلك ، وتعصبوا عليه وأخرجوه منها مختفيا في إزار .
ولما دخل في طريقه إلى الموصل سمع كتاب في الجرح والتعديل ، فثار عليه الحنفية بسبب العقيلي أبي حنيفة ، فخرج منها أيضا خائفا يترقب ، فلما ورد دمشق كان يقرأ الحديث بعد صلاة الجمعة برواق الحنابلة من جامع دمشق فيجتمع الناس إليه ، وكان رقيق القلب ، سريع الدمعة ، فحصل له قبول ، فحسده الدماشقة ، وجهزوا الناصح ابن الحنبلي ، فتكلم تحت النسر ، حتى يشوش عليه ، فحول عبد الغني ميعاده إلى بعد العصر ، فذكر يوما عقيدته على الكرسي ، فثار عليه القاضي محيي الدين ابن الزكي ، والخطيب ضياء الدين الدولعي ، وعقد له مجلس في القلعة يوم الاثنين الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة خمس وتسعين .
وتكلموا معه في مسألة العلو ومسألة النزول ، ومسألة الحرف والصوت ، [ ص: 734 ] وطال الكلام ، حتى قال له الصارم بزغش والي القلعة : كل هؤلاء على الضلالة ، وأنت على الحق ؟ قال : نعم . فغضب بزغش من ذلك وأمره بالخروج من البلد .
فارتحل بعد ثلاث إلى بعلبك ثم إلى الديار المصرية ، فآواه الطحانون ، فكان يقرأ الحديث بها ، فثار عليه الفقهاء بمصر أيضا ، وكتبوا إلى الوزير صفي الدين بن شكر ، فأقر بنفيه إلى المغرب ، فمات قبل وصول الكتاب يوم الاثنين الثالث والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة ، وله سبع وخمسون سنة ، ودفن بالقرافة عند الشيخ أبي عمرو بن مرزوق ؛ رحمهما الله .
قال السبط : وكان ورعا زاهدا عابدا ، يصلي كل يوم ثلاثمائة ركعة ، كورد ويقوم الليل ، ويصوم عامة السنة ، وكان كريما جوادا لا يدخر شيئا ، ويتصدق على الأرامل والأيتام حيث لا يراه أحد وكان يرقع ثوبه ، ويؤثر بثمن الجديد ، وكان قد ضعف بصره من كثرة المطالعة والبكاء ، وكان أوحد زمانه في علم الحديث والحفظ . الإمام أحمد ،
قلت : وقد هذب شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي - تغمده الله برحمته - كتابه " الكمال في أسماء الرجال " - رجال الكتب الستة - بتهذيبه الذي استدرك عليه فيه أماكن كثيرة ، نحوا من ألف موضع ; وذلك أنه الإمام المزي الذي لا يبارى ولا يجارى ولا يمارى ، وكتابه " التهذيب " لم يسبق إلى مثله ، ولا يلحق في مثل شكله ، فرحم الله صاحبي " التهذيب " و " الكمال " فلقد [ ص: 735 ] كانا نادرين في زمانيهما في الرجال حفظا وإتقانا وسماعا وإسماعا وسردا للمتون وأسماء الرجال .
قال : وفيها توفي ابن الأثير
أبو الفتوح أسعد بن محمود العجلي
صاحب " تتمة التتمة " أسعد بن أبي الفضل بن محمود بن خلف العجلي ، الفقيه الأصبهاني ، الواعظ منتخب الدين ، سمع الحديث وتفقه وبرع وصنف " تتمة التتمة " الشافعي لأبي سعد الهروي ، وكان زاهدا عابدا وله " شرح مشكلات الوسيط والوجيز " قال ابن خلكان : توفي في صفر سنة ستمائة .
البناني الشاعر
أبو عبد الله محمد بن المهنا ، الشاعر المعروف بالبناني ، مدح الخلفاء والوزراء والأمراء وغيرهم ، وكبر وعلت سنه ، وكان رقيق الشعر لطيفه ، فمن قوله :
ظلما ترى مغرما في الحب تزجره وغرة بالهوى أمسيت تنكره يا عاذل الصب لو عاتبت قاتله
بوجنة وعذار كنت تعذره أفدي الذي سحر عينيه يعلمني
إذا تصدى لقتلي كيف أسحره [ ص: 736 ] يستمتع الليل في نوم وأسهره
إلى الصباح وينساني وأذكره
وله أيضا :
بكرت تدير على العوازل وتجر ذيلا في الخمائل
وتهز في ثني الغلا ئل ردفها هز الذوابل
وتقول للغصن الرطي ب إذا تماثل أو تمايل
بيضاء صبغة خدها تنمى وصبغ الورد حائل
شهد الحياة وصالها وصدورها سم القواتل
أبو سعيد الحسن بن خالد بن المبارك بن محضر النصراني المارديني ، الملقب بالوحيد .
اشتغل في حداثته بعلم الأوائل فأتقنه وبرز فيه ، وكانت له يد طولى في الشعر الرائق ، فمن ذلك قوله ؛ قاتله الله :
أتاني كتاب أنشأته أنامل حوت أبحرا من فيضها يغرق البحر
فوا عجبا أنى التوت فوق طرسه وما عودت بالقبض أنمله العشر
وله أيضا ؛ لعنه الله :
لقد أثرت صدغاه في لون خده ولاح كفيء من وراء زجاج
ترى عسكرا للروم في الزنج قد بدت طلائعه تسعى ليوم هياج
أم الصبح بالليل البهيم موشح حكى آبنوسا في صفيحة عاج
[ ص: 737 ] لقد غار صدغاه على ورد خده فسيجه من شعره بسياج
الطاوسي صاحب الطريقة .
العراقي بن محمد بن العراقي
ركن الدين أبو الفضل القزويني ، ثم الهمذاني ، المعروف بالطاوسي ، كان بارعا في علم الخلاف والجدل والمناظرة ، أخذ هذا الشأن عن الشيخ رضي الدين النيسابوري الحنفي ، وصنف في ذلك ثلاث تعاليق ، قال ابن خلكان أحسنهن الوسطى . وكانت إليه الرحلة بهمذان ، وقد بنى له بعض الأمراء الحجبة بها مدرسة تعرف بالحاجبية ، وكانت وفاته في هذه السنة ، ويقال : إنه منسوب إلى طاوس بن كيسان التابعي ، فالله أعلم .