فيها تراسل السلطان محمود والخليفة على السلطان سنجر وأن يكونا عليه ، فلما علم بذلك سنة عشرين وخمسمائة من الهجرة النبوية ، سنجر كتب إلى ابن أخيه محمود ينهاه ويستميله إليه ، ويحذره من الخليفة ، وأنه متى ما فرغا منه تفرغ له ورتب عليه ، فأصغى إلى قول عمه ، ورجع عن عزمه ، وأقبل يقصد بغداد ليدخلها عامه ذلك ، فكتب إليه الخليفة ينهاه عن ذلك لقلة الأقوات بها ، فلم يقبل منه وأقبل إليه ، فلما أزف قدومه ، خرج الخليفة من داره وتحيز إلى الجانب الغربي ، فشق ذلك عليه وعلى الناس ، ودخل عيد الأضحى فخطب الخليفة الناس بنفسه خطبة عظيمة بليغة فصيحة جدا ، وكبر وراءه خطباء الجوامع ، وكان يوما مشهودا . وقد سردها بطولها ، ورواها عن من حضرها من الخليفة مع ابن الجوزي وجماعة من العدول ، ولما أراد الخليفة أن ينزل عن المنبر ابتدره قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي ، أبو المظفر محمد بن أحمد بن عبد العزيز الهاشمي فأنشده :
[ ص: 270 ]
عليك سلام الله يا خير من علا على منبر قد حف أعلامه النصر وأفضل من أم الأنام وعمهم
بسيرته الحسنى وكان له الأمر لقد شنفت أسماعنا منك خطبة
وموعظة فصل يلين لها الصخر ملأت بها كل القلوب مهابة
فقد رجفت من خوف تخويفها مصر سما لفظها فضلا على كل قائل
وجل علاها أن يلم بها حصر أشدت بها سامي المنابر رفعة
تقاصر عن إدراكها الأنجم الزهر وزدت بها عدنان مجدا مؤثلا
فأضحى لها بين الأنام بك الفخر فلله عصر أنت فيه إمامه
ولله دين أنت فيه لنا الصدر بقيت على الأيام والملك كلما
تقادم عصر أنت فيه أتى عصر وأصبحت بالعيد السعيد مهنأ
يشرفنا فيه صلاتك والنحر
وفي هذه السنة كان أول مجلس تكلم فيه على المنبر يعظ الناس ، وعمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة ، وحضره ابن الجوزي الشيخ أبو القاسم علي بن يعلى العلوي البلخي ، وكان سنيا علمه كلمات ، ثم أصعده المنبر فقالها ، وكان يوما مشهودا ، قال : وحزر الجمع يومئذ بخمسين ألفا . ابن الجوزي
وفيها اقتتل طغتكين صاحب دمشق وأعداؤه من الفرنج فقتل منهم خلقا كثيرا ، وغنم منهم أموالا جزيلة ، ولله الحمد والمنة .