المعروف بابن الباقلاني أحمد بن الحسن بن أحمد بن خيرون ، أبو الفضل سمع الكثير ، وكتب عنه الخطيب ، وكانت له معرفة جيدة وهو من الثقات ، وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني ، ثم صار أمينا له ، ثم ولي إشراف خزانة الغلات . توفي في رجب عن ثنتين وثمانين سنة .
تتش أبو المظفر
تاج الدولة بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق ، صاحب دمشق وغيرها من البلاد ، وقد كان تروج أمره على ابن [ ص: 149 ] أخيه ولكن قدر الله وما شاء فعل ، وقد قال بركياروق بن ملكشاه بن ألب أرسلان المتنبي :
ولله سر في علاك وإنما كلام العدا ضرب من الهذيان
قال ابن خلكان : كان صاحب البلاد الشرقية فاستنجده أتسز في محاربة أمير الجيوش من جهة صاحب مصر ، فلما قدم دمشق لنجدته وخرج إليه أتسز أمر بمسكه وقتله واستحوذ هو على دمشق وأعمالها في سنة إحدى وسبعين ، ثم تحارب هو وابن أخيه بركياروق ببلاد الري فكسره ابن أخيه ، وقتل هو في المعركة ، وتملك ابنه رضوان حلب إلى سنة سبع وخمسمائة ، سمته أمه في عنقود عنب . فقام بالأمر من بعده ولده تاج الملك بوري أربع سنين ، ثم ابنه الآخر شمس الملوك إسماعيل ثلاث سنين ، ثم قتلته أمه أيضا وهي زمرد خاتون بنت جاولي ، وأجلست أخاه شهاب الدين محمود بن بوري ، فمكث أربع سنين ، ثم ملك أخوه سنة ، ثم ملك محيي الدين أبق من سنة أربع وثلاثين إلى أن انتزع الملك منه كما سيأتي . وكان أتابك العساكر نور الدين محمود بن زنكي بدمشق أيام أبق معين الدين ، الذي تنسب إليه المعينية بالغور ، والمدرسة المعينية بدمشق .رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز
أبو محمد التميمي ، أحد [ ص: 150 ] أئمة القراء والفقهاء - على مذهب أحمد - والحديث ، وكان له مجلس للوعظ وحلقة للفتوى بجامع المنصور ثم بجامع القصر ، وكان حسن الشكل محببا إلى العامة ، له شعر حسن ، وكان كثير العبادة ، فصيح العبارة ، حسن المناظرة ، وقد روى عن آبائه حديثا مسلسلا إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال : هتف العلم العمل فإن أجابه وإلا رحل . وقد كان ذا وجاهة عند الخليفة بعثه في مهام الرسل إلى السلطان ، وكانت وفاته يوم الثلاثاء النصف من جمادى الأولى من هذه السنة عن ثمان وثمانين سنة ، ودفن بداره بباب المراتب بإذن الخليفة وصلى عليه ابنه أبو الفضل .
أبو يوسف القزويني
عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار شيخ المعتزلة قرأ على عبد الجبار بن أحمد الهمذاني ورحل إلى مصر وأقام بها أربعين سنة ، وحصل كتبا كثيرة وصنف تفسيرا في سبعمائة مجلد قال : جمع فيه العجب . وتكلم فيه على قوله تعالى ابن الجوزي واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان [ البقرة : 102 ] في مجلد كامل . وقال ابن عقيل : كان طويل اللسان بالعلم تارة وبالشعر أخرى ، وقد سمع الحديث من أبي عمر بن مهدي وغيره ، ومات ببغداد عن ست وتسعين سنة ، وما تزوج إلا في آخر عمره .
[ ص: 151 ] أبو شجاع الوزير محمد بن الحسين بن عبد الله بن إبراهيم
أبو شجاع الملقب ظهير الدين الروذراوري الأصل الأهوازي المولد ، كان من خيار الوزراء كثير الصدقة والإحسان إلى العلماء والفقهاء وسمع الحديث من الشيخ وغيره ، وصنف كتبا منها كتابه الذي ذيله على " تجارب الأمم " ووزر للخليفة أبي إسحاق الشيرازي المقتدي ، وكان يملك ستمائة ألف دينار ، فأنفقها في سبيل الخيرات والصدقات ، ووقف الوقوف الحسنة ، وبنى المشاهد ، وأكثر الإنعام على الأرامل والأيتام . قال له رجل : إلى جانبنا أرملة لها أربعة أولاد وهم عراة وجياع ، فبعث إليهم مع رجل من خاصته نفقة وكسوة وطعاما ، ونزع عنه ثيابه في البرد الشديد ، وقال : والله لا ألبسها حتى ترجع إلي بخبرهم فذهب الرجل مسرعا فقضى حاجتهم ، وأوصلهم ذلك الإحسان ، ثم عاد والوزير يركض من البرد ، فلما أخبره عنهم بما سره لبس ثيابه . وجيء إليه مرة بقطائف سكر فلما وضعت بين يديه تنغص عليه بمن لا يقدر عليها ، فأرسلها كلها إلى المساجد ، وكانت كثيرة جدا فأطعمها الفقراء والعميان .
وكان لا يجلس في الديوان إلا وعنده الفقهاء ، فإذا وقع له أمر مشكل سألهم عنه ، فحكم بما يفتونه ، وكان كثير التواضع مع الناس خاصتهم وعامتهم ، ثم عزل عن الوزارة فسار إلى الحج وجاور بالمدينة ثم مرض ، فلما ثقل في المرض جاء إلى الحجرة النبوية فقال يا رسول الله : قال الله تعالى : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما [ النساء : 64 ] [ ص: 152 ] وها أنا قد جئتك أستغفر الله من ذنوبي وأرجو شفاعتك يوم القيامة ثم مات من يومه ذلك ؛ رحمه الله تعالى ودفن في البقيع .
القاضي أبو بكر الشامي محمد بن المظفر بن بكران الحموي
أبو بكر الشامي ولد سنة أربعمائة وتفقه ببلده ، ثم حج في سنة سبع عشرة وأربعمائة ، وقدم بغداد فتفقه على الشيخ وسمع بها الحديث ، وشهد عند أبي الطيب الطبري ابن الدامغاني فقبله ولازم مسجده خمسا وخمسين سنة يقرئ الناس ويفقههم ، ولما مات أبو عبد الله الدامغاني أشار به أبو شجاع الوزير فولاه الخليفة المقتدي القضاء ، وكان من أنزه الناس وأعفهم ; لم يقبل من سلطان عطية ولا من صاحب هدية ، ولم يغير ملبسه ولا مأكله ، ولم يأخذ على القضاء أجرا ، ولم يستنب أحدا بل كان يباشر القضاء بنفسه ، ولم يحاب مخلوقا ، وقد كان يضرب بعض المنكرين ؛ حيث لا بينة إذا قامت عنده قرائن للتهمة حتى يقروا ، ويذكر أن في كلام ما يدل على هذا . وقد صنف الشافعي أبو بكر الشاشي كتابا في الرد عليه في ذلك ، ونصره ابن عقيل فيما كان يتعاطاه من الحكم بالقرائن ، واستشهد له بقوله تعالى : إن كان قميصه قد من قبل الآية [ يوسف : 26 ] وشهد عنده رجل من كبار الفقهاء والمناظرين يقال له : المشطب بن محمد بن أسامة الفرغاني فلم يقبله لما رأى عليه من [ ص: 153 ] الحرير وخاتم الذهب ، فقال له المدعي : إن السلطان ووزيره نظام الملك يلبسان الحرير والذهب ، فقال القاضي الشامي : والله لو شهدا عندي على باقة بقل ما قبلت شهادتهما .
توفي يوم الثلاثاء عاشر شعبان من هذه السنة عن ثمان وثمانين سنة ، ودفن بالقرب من ابن سريح .
محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن حميد أبو عبد الله الحميدي
أبو عبد الله بن حميد الأندلسي ، من جزيرة ؛ يقال لها : ميورقة ، قريبة من الأندلس .
قدم بغداد فسمع بها الحديث ، وكان حافظا مكثرا دينا باهرا عفيفا نزها ، وهو " صاحب الجمع بين الصحيحين " وله غير ذلك من المصنفات ، وقد كتب من مصنفات ابن حزم . وكانت وفاته ليلة الثلاثاء السابع عشر من ذي الحجة ، وقد جاوز السبعين ، وقبره قريب من قبر والخطيب بشر الحافي ببغداد .
[ ص: 154 ] هبة الله ابن الشيخ أبي الوفاء بن عقيل
كان قد حفظ القرآن وتفقه وظهر منه نجابة ، ثم مرض فأنفق عليه أبوه أموالا جزيلة ، فلم يفد شيئا فقال له ابنه ذات يوم : يا أبت إنك قد أكثرت الأدوية والأدعية ، ولله في اختيار ، فدعني واختيار الله . قال أبوه : فعلمت أنه لم يوفق لهذا الكلام إلا وقد اختير للحظوة . والله تعالى أعلم .