الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ أبو إسحاق الشيرازي إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزاباذي - وهي قرية من قرى فارس وقيل : هي مدينة جور - شيخ الشافعية ومدرس النظامية ببغداد ولد سنة ثلاث وقيل : خمس وقيل : [ ص: 87 ] ست وتسعين وثلاثمائة ، وتفقه بفارس على أبي عبد الله البيضاوي ثم قدم بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة ، فتفقه على القاضي أبي الطيب الطبري ، وسمع الحديث من ابن شاذان والبرقاني ، وكان زاهدا عابدا ورعا كبير القدر معظما محترما إماما في الفقه والأصول والحديث وفنون كثيرة وله المصنفات الكثيرة النافعة ، ك " المهذب " في المذهب و " التنبيه " و " النكت " في الخلاف و " اللمع " في أصول الفقه و " التبصرة " و " المعونة " و " طبقات الفقهاء " وغير ذلك ، قلت : وقد ذكرت ترجمته مستقصاة ومطولة في أول شرح " التنبيه " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي ليلة الأحد الحادي والعشرين من جمادى الآخرة في دار أبي المظفر ابن رئيس الرؤساء وغسله أبو الوفا بن عقيل الحنبلي وصلي عليه بباب الفردوس من دار الخلافة وشهد الصلاة عليه المقتدي بأمر الله وتقدم للصلاة عليه أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء وكان نائب الوزارة ثم صلي عليه مرة ثانية بجامع القصر ودفن بباب أبرز في تربة مجاورة للناحية رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد امتدحه الشعراء في حياته وبعد وفاته ، وكان هو نفسه له شعر رائق فمما أنشده ابن خلكان من شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سألت الناس عن خل وفي فقالوا ما إلى هذا سبيل     تمسك إن ظفرت بذيل حر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فإن الحر في الدنيا قليل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 88 ] قال ابن خلكان ولما توفي عمل الفقهاء عزاءه بالمدرسة النظامية وعين مؤيد الملك أبا سعد المتولي مكانه فلما بلغ الخبر إلى نظام الملك كتب يقول : كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنة لأجله ، وأمر أن يدرس الشيخ أبو نصر بن الصباغ في مكانه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طاهر بن الحسين بن أحمد بن عبد الله القواس قرأ القرآن وسمع الحديث وتفقه على القاضي أبي الطيب الطبري وأفتى ودرس وكانت له حلقة بجامع المنصور للمناظرة والفتوى وكان ثقة ورعا زاهدا ملازما لمسجده خمسين سنة . وكانت وفاته في هذه السنة عن ست وثمانين سنة ودفن قريبا من الإمام أحمد رحمه الله وإيانا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو طاهر الأنباري الخطيب ويعرف بابن أبي الصقر ، طاف البلاد وسمع الكثير وكان ثقة صالحا فاضلا عابدا وقد سمع منه الخطيب البغدادي وروى عنه مصنفاته توفي بالأنبار في جمادى الآخرة عن نحو من مائة سنة ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن أحمد بن الحسين بن جردة ، أحد كبراء الرؤساء [ ص: 89 ] ببغداد وهو من ذوي الثروة والمروءة كان يحزر ماله بثلاثمائة ألف دينار وكان أصله من عكبرا فسكن بغداد وكانت له بها دار عظيمة تشتمل على ثلاثين مسكنا مستقلا وفيها حمام وبستان ولها بابان على كل باب مسجد إذا أذن المؤذن في أحدهما لا يسمع الآخر من اتساعها . وقد كانت زوجة الخليفة القائم - حين وقعت فتنة البساسيري في سنة خمسين وأربعمائة - نزلت عنده في جواره ، فبعث إلى الأمير قريش بن بدران أمير العرب بعشرة آلاف دينار ليحمي له داره وهو الذي بنى المسجد المعروف به ببغداد وقد ختم فيه القرآن ألوف من الناس وكان لا يفارق زي التجار . وكانت وفاته في عاشر ذي القعدة من هذه السنة ، ودفن في التربة المجاورة لتربة القزويني رحمه الله وإيانا ، آمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية