كتب إليه بعض السعاة في نظام الملك فاستدعاه وقال له : إن كان هذا صحيحا ، فهذب أخلاقك وأصلح أحوالك ، وإن لم يكن صحيحا فاغفر لهم زلتهم بمهم يشغلهم عن السعاية بالناس . وكان شديد الحرص على حفظ مال الرعايا ، بلغه أن غلاما من غلمانه أخذ إزارا لبعض التجار فصلبه ، فارتدع سائر المماليك به خوفا من سطوته .
وترك من الأولاد ملكشاه الذي قام من بعده وإياز وتكش وبوري برس [ ص: 40 ] وأرسلان أرغون وسارة وبنتا أخرى . وكانت وفاته في هذه السنة عن إحدى وأربعين سنة ودفن عند والده وعائشة بالري رحمه الله تعالى .
عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة أبو القاسم القشيري
وأمه من بني سليم ، توفي أبوه وهو طفل فقرأ الأدب والعربية ، وصحب الشيخ أبا علي الدقاق وأخذ الفقه عن أبي بكر بن محمد الطوسي والكلام عن وصنف الكثير فله " التفسير الكبير " ، و " الرسالة " التي ترجم فيها جماعة من المشايخ والصالحين وحج صحبة أبي بكر بن فورك ، إمام الحرمين وكان يعظ الناس . وأبي بكر البيهقي
توفي بنيسابور في هذه السنة عن سبعين سنة ، ودفن إلى جانب شيخه أبي علي الدقاق ، ولم يدخل أحد من أهل بيته بيت كتبه إلا بعد سنين احتراما له ، وكان له فرس يركبها قد أهديت إليه ، فلما توفي لم تأكل علفا حتى نفقت بعده بيسير ، ذكره . ابن الجوزي
وقد أثنى عليه القاضي ابن خلكان في " الوفيات " ثناء كثيرا وذكر شيئا من شعره الرائق . فمن ذلك قوله :
[ ص: 41 ]
سقى الله وقتا كنت أخلو بوجهكم وثغر الهوى في روضة الأنس ضاحك أقمنا زمانا والعيون قريرة
وأصبحت يوما والجفون سوافك
لو كنت ساعة بيننا ما بيننا وشهدت حين نكرر التوديعا
أيقنت أن من الدموع محدثا وعلمت أن من الحديث دموعا
ومن كان في طول الهوى ذاق سلوة فإني من ليلى لها غير ذائق
وأكثر شيء نلته من وصالها أماني لم تصدق كخطفة بارق
لئن نبز الناس قدما أباك وسموه من شحه صربعرا
فإنك تنثر ما صره عقوقا له وتسميه شعرا
إيه أحاديث نعمان وساكنه إن الحديث عن الأحباب أسمار
أفتش الريح عنكم كلما نفحت من نحو أرضكم نكباء معطار
محمد بن علي
محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي [ ص: 43 ] بالله أبو الحسين ، ويعرف بابن الغريق ولد سنة سبعين وثلاثمائة وسمع وهو آخر من حدث عنه في الدنيا ، الدارقطني وابن شاهين ، وتفرد عنه وسمع خلقا آخرين وكان ثقة دينا كثير الصلاة والصيام وكان يقال له راهب بني هاشم ، وكان غزير العلم والعقل كثير التلاوة رقيق القلب غزير الدمعة ، رحل إليه الطلبة من الآفاق ، ثم ثقل سمعه فكان يقرأ على الناس ، وذهبت إحدى عينيه ، وخطب وله ست عشرة سنة وشهد عند الحكام سنة ست وأربعمائة ، وولي الحكم سنة تسع وأربعمائة ، وأقام خطيبا بجامع المنصور وجامع الرصافة ستا وسبعين سنة ، وحكم ستا وخمسين سنة وتوفي في سلخ ذي القعدة من هذه السنة ، وقد جاوز تسعين سنة ، وكان يوم جنازته يوما مشهودا ورئيت له منامات صالحة .