ذكر الطعن في نسب الفاطميين ، من أئمة بغداد وغيرها من البلاد
وفي ربيع الآخر منها كتب هؤلاء ببغداد محاضر تتضمن الطعن والقدح في الذين يدعون أنهم فاطميون وليسوا كذلك ، ونسبتهم إلى نسب الخلفاء المصريين ديصان بن سعيد الخرمي ، وكتب في ذلك جماعة من العلماء والقضاة [ ص: 538 ] والفقهاء والأشراف والأماثل والمعدلين والصالحين ، شهدوا جميعا أن الناجم بمصر - وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم ، حكم الله عليه بالبوار ، والخزي والدمار ، والنكال والاستئصال ، ابن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد ، لا أسعده الله ، فإنه لما صار إلى بلاد المغرب تسمى بعبيد الله ، وتلقب بالمهدي - ومن تقدم من سلفه من الأنجاس والأرجاس - عليه وعليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين - أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب ولا يتعلقون بسبب ، وأنه منزه عن باطلهم ، وأن الذي ادعوه من الانتساب إليه باطل وزور ، وأنهم لا يعلمون أحدا من أهل بيوتات الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج أنهم أدعياء ، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائعا في الحرمين ، وفي أول أمرهم بالمغرب منتشرا انتشارا يمنع أن يدلس على أحد كذبهم ، أو يذهب وهم إلى تصديقهم فيما ادعوه ، وأن هذا الناجم بمصر هو وسلفه كفار فساق فجار ، ملحدون زنادقة معطلون ، وللإسلام جاحدون ، ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون ، قد عطلوا الحدود ، وأباحوا الفروج ، وأحلوا الخمور ، وسفكوا الدماء ، وسبوا الأنبياء ، ولعنوا السلف ، وادعوا الربوبية ، وكتب في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة .
وقد كتب خطه في المحضر خلق كثير ، فمن العلويين : المرتضى والرضي وابن الأزرق الموسوي ، وأبو طاهر بن أبي الطيب ، ومحمد بن محمد بن عمر ، وابن أبي يعلى . ومن القضاة : ، أبو محمد بن الأكفاني وأبو القاسم الخزري ، وأبو العباس بن السوري . ومن الفقهاء : ، أبو حامد الإسفراييني وأبو محمد بن [ ص: 539 ] الكشفلي ، وأبو الحسين القدوري وأبو عبد الله الصيمري ، وأبو عبد الله البيضاوي ، وأبو علي بن حمكان . ومن الشهود : أبو القاسم التنوخي ، في خلق كثير ، وقرئ بالبصرة وكتب فيه خلق كثير . هذه عبارة . أبي الفرج ابن الجوزي
قلت : ومما يدل على أن هؤلاء أدعياء ، كما ذكر هؤلاء السادة العلماء ، والأئمة الفضلاء ، وأنهم لا نسب لهم إلى علي ولا إلى فاطمة كما يزعمون ، قول عبد الله بن عمر للحسين بن علي حين أراد الدخول إلى العراق ، وذلك عن كتب عوام أهل الكوفة إليه بالبيعة له ، فقال له ابن عمر : لا تذهب إليهم ، فإني أخاف عليك أن تقتل ، وإن جدك قد خير بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة على الدنيا ، وأنت بضعة منه ، وإنه والله لا تنالها لا أنت ولا أحد من أهل بيتك .
فهذا الكلام الحسن الصحيح المتوجه المعقول من هذا الصحابي الجليل ، يقتضي أنه أهل البيت إلا ، الذي يكون في آخر الزمان محمد بن عبد الله المهدي وقت نزول لا يلي الخلافة أحد من عيسى ابن مريم من السماء إلى الأرض ، كما سيأتي بيان ذلك مفصلا في أحاديث الملاحم ، ومعلوم أن هؤلاء قد ملكوا ديار مصر مدة طويلة ، فدل ذلك دلالة قوية ظاهرة أنهم ليسوا من أهل بيت النبوة ، كما نص عليه سادة القضاة والشهود والفقهاء والكبراء ، وقد صنف كتابا في الرد على هؤلاء القوم المنتسبين إلى الفاطميين وسماه " كشف الأسرار وهتك الأستار " نثر فيه فضائحهم وقبائحهم ، ووضح أمرهم لكل أحد يفهم شيئا من مطاوي أفعالهم وأقوالهم ، وقد كان يقول في عبارته : هؤلاء قوم [ ص: 540 ] يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض . القاضي الباقلاني
وفي رجب وشعبان ورمضان أخرج الوزير فخر الملك صدقات كثيرة على الفقراء والمساكين والمقيمين بالمشاهد والمقابر ، وزار بنفسه المساجد والمشاهد ، وأخرج خلقا من المسجونين بالحبوس ، وأظهر نسكا كثيرا ، وعمر دارا عظيمة عند سوق الدقيق هائلة .
وفي شوال عصفت ريح شديدة سوداء ، فقصفت كثيرا من النخل ، أكثر من عشرة آلاف .
وورد كتاب من يمين الدولة محمود بن سبكتكين صاحب غزنة أيده الله تعالى ، بأنه ركب بجيشه إلى دار العدو ، فاجتاز بهم في مفازة ، فأعوزهم فيها الماء حتى كادوا أن يهلكوا عطشا ، فبعث الله لهم سحابة ، فأمطرت عليهم حتى شربوا ورووا ، ثم تواقفوا هم وعدوهم ، ومع الأعداء نحو من ستمائة فيل ، فهزموهم ، وغنموا شيئا كثيرا من الأموال ، ولله الحمد .
وعملت الشيعة يوم غدير خم - وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة - البدعة التي ابتدعوها لا لابتغاء وجه الله ، وزينت الحوانيت ، وتمكنوا بسبب الوزير وكثير من الأتراك تمكنا كثيرا .