، أبو القاسم الصاحب بن عباد وهو إسماعيل بن عباد بن عباس بن عباد بن أحمد [ ص: 454 ] ابن إدريس الطالقاني
الوزير الشهير الملقب بكافي الكفاة ، وزر لمؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه ، وقد كان من العلم والفضيلة والبراعة والكرم والإحسان إلى العلماء على جانب عظيم ، كان يبعث في كل سنة إلى بغداد بخمسة آلاف دينار ; لتفرق على أهل العلم ، وله اليد الطولى في الأدب ، وله مصنفات في فنون العلم ، واقتنى كتبا كثيرة كانت تحمل على أربعمائة بعير ، ولم يكن في وزراء بني بويه الديالمة مثله ولا قريب منه في مجموع فضائله ، وقد كانت دولة بني بويه مائة وعشرين سنة ، وكانت وزارته ثمانية عشر سنة وأشهرا ، وفتح خمسين قلعة لمخدومه مؤيد الدولة ، وابنه فخر الدولة ، لصرامته وشهامته وحسن تدبيره وجودة آرائه ، وكان يحب العلوم الشرعية ، ويبغض الفلسفة وما يشبهها من الآراء البدعية ، وقد مرض مرة بالإسهال ، فكان كلما قام عن المطهرة وضع عندها عشرة دنانير لئلا يتبرم به الفراشون ، فكانوا يودون أن لو طالت علته ، ولما عوفي أنهب داره الفقراء ، وكان قيمة ما تحتوي عليه نحوا من خمسين ألف دينار ، وقد سمع الحديث من المشايخ الجياد عوالي الإسناد ، وعقد له في وقت مجلس للإملاء ، فاحتفل الناس بحضوره ، فلما خرج لبس زي الفقهاء ، وأشهد على نفسه بالتوبة والإنابة مما يعانيه من أمور السلطان ، وذكر [ ص: 455 ] للناس أنه إنما كان يأكل من حين نشأ إلى يومه هذا من أموال أبيه وجده ، ولكن يخالط السلطان ، وهو تائب مما مارسه من شئونه ، واتخذ بيتا في داره سماه بيت التوبة ، ووضع العلماء خطوطهم بصحة توبته ، وحين حدث استملى عليه جماعة لكثرة مجلسه ، فكان من جملة من يكتب ذلك اليوم من الطلبة القاضي عبد الجبار الهمذاني ، ومن شابهه من رءوس الفضلاء وسادات المحدثين والفقهاء .
وقد بعث إليه قاضي قزوين بهدية ; كتب كثيرة ، وكتب معها :
العميري عبد كافي الكفاة وإن اعتل في وجوه القضاة خدم المجلس الرفيع بكتب
مفعمات من حسنها مترعات
قد قبلنا من الجميع كتابا ورددنا لوقتها الباقيات
لست أستغنم الكثير وطبعي قول خذ ليس مذهبي قول هات
وقد عمل عليه الوزير أبو الفتح بن ذي الكفايتين حتى عزله عن وزارة مؤيد الدولة ، وباشرها عوضه ، واستمر مدة ، فبينما هو ليلة في بعض أيامه قد اجتمع عنده أصحابه وندماؤه وهو في أتم سرور ، قد هيئ له مجلس حافل بأنواع اللذات ، من المآكل والمشارب والملابس والتحف ، وقد نظم أبياتا ، والمغنون يلحنونها له ، وهو في غاية الطرب والسرور والفرح ، وهي هذه :
دعوت الهنا ودعوت العلا فلما أجابا دعوت القدح
وقلت لأيام شرخ الشباب إلي فهذا أوان الفرح
إذا بلغ المرء آماله فليس له بعدها منتزح
وقد ذكر ، أن ابن الجوزي حين حضرته الوفاة جاءه [ ص: 457 ] الصاحب بن عباد الملك فخر الدولة بن مؤيد الدولة يعوده ليوصيه في أموره ، فقال له : إني موصيك أن تستمر في الأمور على ما تركتها عليه ، ولا تغيرها ، فإنك إن استمررت بها نسبت إليك من أول الأمر إلى آخره ، وإن غيرتها وسلكت غيرها نسبت هي والخير المتقدم إلي لا إليك ، وأنا أحب أن تكون نسبة الخير إليك ، وإن كنت أنا المشير بها عليك . فأعجبه منه ذلك واستمر على ما أوصاه به من الخير ، وكانت وفاته في عشية يوم الجمعة ، لست بقين من صفر منها .
قال ابن خلكان : وهو ، ثم استعمل بعده فيهم وإنما سمي بذلك لكثرة صحبته الوزير أول من سمي من الوزراء بالصاحب أبا الفضل بن العميد ، فكان يقال له : صاحب ابن العميد ، ثم أطلق عليه أيام وزارته ، وقال الصابئ في كتابه " التاجي " : إنما سماه الصاحب مؤيد الدولة بن بويه ; لأنه كان صاحبه من الصغر ، فكان يسميه الصاحب ، فلما ملك واستوزره سماه الصاحب ، فاشتهر به ، وتسمى به الوزراء بعده ، ثم ذكر ابن خلكان قطعة صالحة من مكارمه وفضائله وثناء الناس عليه ، وعدد له مصنفات كثيرة ، منها كتابه " المحيط " في اللغة في سبع مجلدات ، يحتوي على أكثر اللغة ، وأورد من شعره أشياء ، منها قوله وهو صنيع لطيف
رق الزجاج ورقت الخمر وتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد ، أبو محمد
الأديب ، كان شاعرا متمولا ، كثير المكارم ، روى عن علي بن محمد بن سعيد الموصلي ، وعنه الصوري ، وكان صدوقا ، وهو الذي أنزل المتنبي في داره حين قدم بغداد وأحسن إليه ، وأجرى عليه النفقات حتى قال له المتنبي : لو كنت مادحا تاجرا لمدحتك ، وقد كان أبو محمد هذا شاعرا ماهرا ، فمن جيد شعره قوله :
شريت المعالي غير منتظر بها كسادا ولا سوقا يقام لها أخرى
وما أنا من أهل المكاسب كلما توفرت الأثمان كنت لها أشرى
الواعظ المشهور ، سمع الكثير ، [ ص: 459 ] وحدث عن الباغندي وأبي بكر بن أبي داود والبغوي وابن صاعد وخلق ، وكان ثقة أمينا يسكن الجانب الشرقي من بغداد وكانت له المصنفات العديدة المفيدة ، ذكر عنه أنه صنف ثلاثمائة وثلاثين مصنفا ; من ذلك " التفسير " في ألف جزء ، و " المسند " في ألف وخمسمائة جزء ، و " التاريخ " في مائة وخمسين جزءا ، و " الزهد " في مائة جزء . توفي وكانت وفاته في ذي الحجة منها ، وقد قارب التسعين ، رحمه الله تعالى .
، الحافظ الدارقطني علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله ، أبو الحسن الدارقطني
الحافظ الكبير ، أستاذ هذه الصناعة في زمانه وقبلها بمدة وبعدها إلى زماننا هذا ، سمع الكثير ، وجمع وصنف ، وألف وأجاد وأفاد ، وأحسن النظر والتعليل ، والانتقاء والاعتقاد ، وكان فريد عصره ، ونسيج وحده ، وإمام أهل دهره في أسماء الرجال ، وصناعة التعليل ، والجرح والتعديل ، وحسن التصنيف والتأليف ، واتساع الرواية ، والاطلاع التام في الدراية ، له كتاب " السنن الكبير " المشهور ، من أحسن المصنفات في بابه ، لم يسبق إلى مثله ، ولا يلحق في شكله ، إلا من استمد من بحره ، وعمل كعمله ، وله كتاب " العلل " بين فيه الصواب من [ ص: 460 ] الزلل ، والمتصل من المرسل والمنقطع والمعضل ، وكتاب " الأفراد " الذي لا يفهمه ، فضلا عن أن ينظمه ، إلا من هو من الحفاظ الأفراد ، والأئمة النقاد ، والجهابدة الجياد ، وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد .
وقد كان من صغره موصوفا بالحفظ الباهر ; جلس مرة في مجلس الدارقطني إسماعيل الصفار ، وهو يملي على الناس الأحاديث ، ينسخ في جزء حديث ، فقال له بعض المحدثين في أثناء المجلس : إن سماعك لا يصح وأنت تنسخ ، فقال والدارقطني : فهمي خلاف فهمك ، أتحفظ كم أملى حديثا ؟ فقال : لا ، فقال : إنه أملى ثمانية عشر حديثا إلى الآن ، فالحديث الأول منها عن فلان عن فلان ، ثم ساقها كلها بأسانيدها وألفاظها ، فتعجب الناس منه . الدارقطني
وقال : لم ير الحاكم أبو عبد الله النيسابوري مثل نفسه ، وقال الدارقطني : وقد اجتمع له مع معرفة الحديث العلم بالقراءات والنحو والفقه والشعر ، مع الأمانة والعدالة وصحة العقيدة ، وقد كانت وفاته في يوم الثلاثاء السابع من ذي القعدة من هذه السنة ، وله من العمر تسع وسبعون سنة [ ص: 461 ] ويومان ، ودفن من الغد بمقبرة ابن الجوزي معروف الكرخي رحمه الله تعالى .
قال ابن خلكان : وقد رحل إلى الديار المصرية فأكرمه الوزير أبو الفضل جعفر بن حنزابة وزير وساعده هو كافور الإخشيدي على إكمال " مسنده " وحصل والحافظ عبد الغني منه مال جزيل ، قال : للدارقطني : نسبة إلى والدارقطني دار القطن ، وهي محلة كبيرة ببغداد .
وقال : لم يتكلم على الأحاديث مثل عبد الغني بن سعيد المصري في زمانه ، علي بن المديني في زمانه ، وموسى بن هارون في زمانه . والدارقطني
وسئل : هل رأى مثل نفسه ؟ قال : أما في فن واحد فربما رأيت من هو أفضل مني ، وأما فيما اجتمع في من الفنون فلا . الدارقطني
وقد روى عن الخطيب البغدادي ، قال : رأيت في المنام كأني أسأل عن حال الأمير أبي نصر بن هبة الله بن علي بن جعفر بن ماكولا ، وما آل إليه أمره في الآخرة ، فقيل لي : ذاك يدعى في الجنة الإمام ، [ ص: 462 ] رحمه الله ورضي عنه . أبي الحسن الدارقطني
عباد بن عباس بن عباد أبو الحسن الطالقاني
والد الوزير إسماعيل بن عباد ، سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب وغيره من البغداديين والأصفهانيين والرازيين وغيرهم ، وحدث عنه ابنه الوزير أبو القاسم ، وأبو بكر بن مردويه ، ولعباد هذا كتاب في أحكام القرآن ، وقد اتفق موته وموت ابنه في هذه السنة ، رحمهما الله .
عقيل بن محمد بن عبد الواحد ، أبو الحسن الأحنف العكبري
الشاعر المشهور ، له ديوان مفرد ، ومن مستجاد شعره ما ذكره في " المنتظم " قوله : أبو الفرج ابن الجوزي
أقضى علي من الأجل عذل العذول إذا عذل
وأشد من عذل العذو ل صدود إلف قد وصل
وأشد من هذا وذا طلب النوال من السفل
من أراد الملك والرا حة من هم طويل
[ ص: 463 ] فليكن فردا من النا س ويرضى بالقليل
ويرى أن قليلا نافعا غير قليل
ويرى بالحزم أن ال حزم في ترك الفضول
ويداوي مرض الوح دة بالصبر الجميل
لا يماري أحدا ما عاش في قال وقيل
يلزم الصمت فإن الص مت تهذيب العقول
يذر الكبر لأهلي ه ويرضى بالخمول
أي عيش لامرئ يص بح في حال ذليل
بين قصد من عدو ومداراة جهول
واعتلال من صديق وتجن من ملول
واحتراس من ظنون السو ء مع عذل العذول
ومماشاة بغيض ومقاساة ثقيل
أف من معرفة النا س على كل سبيل
وتمام الأمر لا يع رف سمحا من بخيل
فإذا أكمل هذا كا ن في ملك جليل
من ولد علي بن المهدي بالله ، كان شاعرا أديبا خليعا ظريفا ، وكان ينوب في نقابة الهاشميين ، فترافع إليه رجل اسمه علي وامرأة اسمها عائشة يتحاكمان في جمل ، فقال : هذه قضية لا أحكم فيها بشيء ; لئلا يعود الحال خدعة .
ومن مستجاد شعره ولطيف قوله :
في وجه إنسانة كلفت بها أربعة ما اجتمعن في أحد
الوجه بدر والصدغ غالية والريق خمر والثغر من برد
إليك أذم حمام ابن موسى وإن فاق المنى طيبا وحرا
تكاثرت اللصوص عليه حتى ليحفى من يطيف به ويعرى
ولم أفقد به ثوبا ولكن دخلت محمدا وخرجت بشرا
سمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد وغيرهم ، وعنه الخلال والعشاري والتنوخي وغيرهم ، وكان ثقة نبيلا ، يعد من الأبدال ، قال : كنا نتبرك به وهو صغير ، وكانت وفاته لثلاث بقين من ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة ، ودفن بباب حرب ، رحمه الله تعالى . الدارقطني
يوسف بن أبي سعيد السيرافي ، أبو محمد النحوي بن النحوي
وهو الذي تمم شرح أبيه لكتاب وكان يرجع إلى علم ودين ، وكانت وفاته في ربيع الأول منها عن خمس وخمسين سنة ، رحمه الله تعالى وإيانا بمنه وكرمه . سيبويه