صفة مقتل عز الدين بختيار بن معز الدولة ، وأخذ عضد الدولة الموصل وأعمالها
لما دخل عضد الدولة بغداد وتسلمها من عز الدولة وأخرجه منها ذليلا طريدا [ ص: 385 ] في فل من الناس ، ومن عزم عز الدولة أن يمضي إلى الشام فيأخذها ، وقد حلفه عضد الدولة أن لا يتعرض لأبي تغلب صاحب الموصل وذلك لمودة كانت بينهما ومكاتبة ومراسلات منهما ، فحلف له على ذلك ، وحين خرج من بغداد كان معه حمدان بن ناصر الدولة بن حمدان ، فحسن لعز الدولة أخذ بلاد الموصل ; لأنها أطيب وأكثر مالا ، وأقرب إليه الآن ، وكان عز الدولة ضعيف العقل ، قليل الدين ، فلما بلغ ذلك أبا تغلب ، أرسل إلى عز الدولة يقول له : لئن بعثت إلي بأخي حمدان بن ناصر الدولة أعنتك بجيشي وبنفسي حتى أردك إلى ملك بغداد وأقاتل معك عضد الدولة . فأمسك حمدان ، وأرسله إلى عمه أبي تغلب ، فسجنه في بعض القلاع .
وبلغ ذلك عضد الدولة ، وأنهما قد اجتمعا على حربه ، فركب إليهما بجيشه ، وأراد إخراج الخليفة الطائع معه ، فاستعفاه فأعفاه ، واستمر هو ذاهبا إليهما فالتقى معهما ، فكسرهما وهزمهما ، وأخذ عز الدولة أسيرا ، فلما جيء به لم يأذن له ، بل أرسل إليه من قتله في الحال ، ثم سار من فوره ، فأخذ الموصل ومعاملتها ، وكان قد حمل معه ميرة كثيرة ، وتشرد أبو تغلب في البلاد ، وبعث وراءه السرايا من كل جهة ، وأقام عضد الدولة بالموصل وضيق على أبي تغلب تلك البلاد ، واستحوذ على أكثر تلك الناحية بصرامته وشجاعته وهمته وعزيمته ، وأقام بالموصل إلى أواخر سنة ثمان وستين ، وفتح ميافارقين وآمد وغيرهما من بلاد بكر وربيعة ، وتسلم بلاد مضر من أيدي نواب أبي تغلب ، وأخذ منهم الرحبة ، ورد بقيتها على صاحب [ ص: 386 ] حلب سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان ، وتسلط سعد الدولة على بلاد عمه أبي تغلب يتسلمها بلدا بلدا ، وحين رجع عضد الدولة من الموصل استناب عليها أبا الوفاء ، وعاد إلى بغداد فتلقاه الخليفة الطائع لله ورءوس الناس إلى ظاهر البلد ، وكان يوما مشهودا .
ومما وقع من الحوادث في هذه السنة الوقعة التي كانت بين العزيز بن المعز الفاطمي وبين أفتكين غلام معز الدولة صاحب دمشق فهزمه ، وأسره ، وأخذه معه إلى الديار المصرية مكرما معظما كما تقدم ، وتسلم العزيز دمشق وأعمالها ، وقد تقدم في سنة أربع وستين بسط هذه الكائنة بما أغنى عن إعادته .
وفيها خلع على القاضي عبد الجبار بن أحمد المعتزلي بقضاء قضاة الري وما تحت حكم مؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه من البلاد ، وله مصنفات حسنة ، منها دلائل النبوة ، وعمد الأدلة ، وغيرهما .
وحج بالناس فيها نائب المصريين ، وهو الأمير باديس بن زيري أخو يوسف بن بلكين .
ولما دخل مكة اجتمع إليه اللصوص ، وسألوا منه أن يضمنهم الموسم هذا العام ، بما شاء من الأموال ، فأظهر لهم الإجابة إلى ما سألوا ، وقال لهم : اجتمعوا كلكم حتى أضمنكم كلكم ، فاجتمع عنده بضع وثلاثون حراميا ، فقال : هل بقي منكم أحد ؟ فحلفوا له إنه لم يبق منهم أحد ، فعند ذلك أمر بقطع أيديهم [ ص: 387 ] كلهم ، ونعم ما فعل . وكانت الخطبة في هذه السنة للفاطميين بمكة والمدينة دون العباسيين .