المعز الفاطمي والحسن بن أحمد القرمطي ذكر الحرب بين
لما استقر المعز الفاطمي بالديار المصرية ، وابتنى فيها القاهرة والقصرين ، [ ص: 347 ] وتأطد ملكه ، سار إليه الحسن بن أحمد القرمطي من الأحساء في جمع كثيف من أصحابه ، والتف معه أمير العرب ببلاد الشام وهو حسان بن الجراح الطائي ، في عرب الشام بكمالهم ، فلما سمع بهم المعز الفاطمي أسقط في يده لكثرتهم ، وكتب إلى القرمطي يستميله ، ويقول له : إن دعوة آبائك إنما كانت إلى آبائي قديما ، فدعوتنا واحدة . ويذكر فيه فضله وفضل آبائه ، فرد الجواب : وصل كتابك الذي كثر تفضيله ، وقل تحصيله ، ونحن سائرون إليك على إثره ، والسلام .
فلما انتهوا إلى ديار مصر عاثوا فيها قتلا ونهبا وإفسادا ، وحار المعز ماذا يصنع ; لكثرة من مع القرمطي ، وضعف جيشه عن مقاومتهم ، فعدل إلى المكيدة والخديعة ، فراسل حسان بن الجراح أمير العرب ، ووعده بمائة ألف دينار إن هو خذل بين الناس ، فأرسل إليه : أن ابعث إلي بما التزمت ، وتعال بمن معك ، فإذا التقينا انهزمت بمن معي ، فأرسل إليه المعز بمائة ألف دينار في أكياس ، ولكن أكثرها زغل ، ضرب النحاس ولبسه الذهب ، وجعله في أسفل الأكياس ، ووضع في رءوس الأكياس الدنانير الخالصة ، ولما بعثها إليه ركب في إثرها بجيشه ، فالتقى الناس ، ولما تواجه الفريقان ونشبت الحرب بينهم ، انهزم حسان بن الجراح بالعرب ، فضعف جانب القرمطي ، وقوي عليه المعز الفاطمي فكسره ، وانهزمت القرامطة بين يديه ، فرجعوا إلى أذرعات في أذل حال وأفله ، وبعث المعز في آثارهم القائد أبا محمود إبراهيم بن جعفر في عشرة آلاف فارس ; ليحسم مادة القرامطة .