[ ص: 48 ] ثم دخلت سنة ثماني عشرة وثلاثمائة
فيها عزل الخليفة المقتدر بالله وزيره أبا علي بن مقلة ، فكانت مدة وزارته سنتين وأربعة أشهر وثلاثة أيام ، واستوزر مكانه سليمان بن الحسن بن مخلد ، وجعل علي بن عيسى ناظرا معه .
وفي جمادى الأولى منها أحرقت دار أبي علي بن مقلة ، وكان قد أنفق عليها مائة ألف دينار ، فانتهب الناس أخشابها وما وجدوا فيها من حديد ورصاص وغير ذلك ، وصادره الخليفة بمائتي ألف دينار .
وفيها طرد الخليفة الرجالة الذين كانوا بدار الخلافة عن بغداد وذلك أنهم لما ردوا المقتدر إلى الخلافة شرعوا ينفسون بكلام كثير عليه ; يقولون : من أعان ظالما سلط عليه ، ومن أصعد الحمار إلى السطح يقدر ينزله . فأمر بإخراجهم عن بغداد ومن أقام منهم عوقب ، فأحرقت دور كثيرة من قراباتهم ، واحترق بعض نسائهم وأولادهم ، فخرجوا منها في غاية الإهانة ، فنزلوا واسطا وتغلبوا عليها ، وأخرجوا عاملها منها ، فركب إليهم مؤنس الخادم فأوقع بهم بأسا شديدا ، وقتل منهم خلقا كثيرا ، فلم تقم لهم بعد ذلك راية .
وفي ربيع الأول منها عزل الخليفة ناصر الدولة بن حمدان عن الموصل وولى [ ص: 49 ] عليها عميه سعيدا ونصرا ابني حمدان . وولاه ديار ربيعة نصيبين وسنجار والخابور ورأس العين ومعها ميافارقين وأرزن ، ضمن ذلك من الخليفة بمال يحمله في كل سنة .
وفي جمادى الأولى خرج رجل ببلاد البوازيج يقال له : صالح بن محمود . فاجتمع عليه جماعة من بني مالك ، ثم سار إلى سنجار ، فحاصرها ، فدخلها ، وأخذ شيئا كثيرا من أموالها ، وخطب بها خطبة ، ووعظ فيها وذكر وحذر ، فكان في جملة ما قال : نتولى الشيخين ، ونتبرأ من الخبيثين ، ولا نرى المسح على الخفين . ثم سار فعاث في الأرض فسادا . فانتدب له نصر بن حمدان ، فقاتله ، فأسر صالح بن محمود ومعه ابنان له ، فحمل إلى بغداد فدخلها ، وقد اشتهر شهرة فظيعة .
وخرج آخر ببلاد الموصل فاتبعه ألف رجل ، فحاصر أهل نصيبين فخرجوا إليه فاقتتلوا معه ، فقتل منهم مائة وأسر ألفا ، ثم باعهم نفوسهم ، وصادر أهلها بأربعمائة ألف درهم ، فانتدب ناصر الدولة بن حمدان ، فقاتله فظفر به فأسره ، وسيره إلى بغداد أيضا . ولله الحمد .
وفيها خلع الخليفة على ابنه هارون ، وركب معه الوزير والجيش ، وأعطاه نيابة فارس وكرمان وسجستان ومكران ، وخلع على ابنه أبي العباس الراضي ، وجعله نائب بلاد المغرب ومصر والشام ، ويكون مؤنس الخادم يسد عنه أمورها .
[ ص: 50 ] وحج بالناس في هذه السنة عبد السميع بن أيوب بن عبد العزيز الهاشمي ، وخرج الحجيج بخفارة وبذرقة حتى سلموا في الذهاب والإياب من القرامطة . ولله الحمد .