وممن توفي فيها من الأعيان :
ابن الجصاص الجوهري
الحسين بن عبد الله بن الجصاص الجوهري أبو عبد الله البغدادي ، كان ذا مال عظيم وثروة متسعة جدا ، وكان أصل نعمته من بيت أحمد بن طولون كان قد جعله جوهريا له يتسوق له ما يقع من نفائس [ ص: 28 ] الجواهر بمصر ، فاكتسب بسبب ذلك أموالا جزيلة جدا .
قال ابن الجصاص : كنت يوما بباب إذ خرجت القهرمانة ، وبيدها عقد فيه مائة حبة من الجوهر ، تساوي كل واحدة ألف دينار ، فقالت : أريد أن تأخذ هذا فتخرطه حتى يكون أصغر من هذا الحجم ، فإن هذا نافر على ما يريدونه . فأخذته منها ، وذهبت به إلى المنزل وحصلت جواهر أصغر منها تساوي أقل من عشر قيمة تلك الجواهر بكثير ، فدفعتها إليها ، وفزت أنا بذلك الذي جاءت به ، فكانت قيمته مائتي ألف دينار . وقد اتفق أنه صودر في زمان ابن طولون المقتدر مصادرة عظيمة ، أخذ منه ما يقاوم ستة عشر ألف ألف دينار ، وبقي معه من الأموال شيء كثير جدا .
قال بعضهم : دخلت عليه وهو يتردد في منزله كأنه مجنون ، فقلت له : ما لك ؟! فقال : ويحك ! أخذ مني كذا وكذا ، فأنا أحس أن روحي ستخرج . فعذرته ثم أخذت في تسليته فقلت له : إن دارك وبساتينك وضياعك الباقية لك تساوي سبعمائة ألف دينار ، واصدقني كم بقي عندك من الجواهر والمتاع ، فإذا هو يساوي ثلاثمائة ألف دينار ، فقلت : إن هذا أمر لا يشاركك فيه أحد من التجار ببغداد ، مع ما لك من الوجاهة عند الدولة والناس . قال : فسري عنه ، وتسلى عما كان عليه وأكل ، وكان له ثلاثة أيام لم يأكل شيئا ، ولما خلص من مصادرة المقتدر بشفاعة أمه السيدة فيه ، حكى عن نفسه ، قال : نظرت في دار الخلافة إلى مائة خيشة ، فيها متاع رث مما حمل إلي من مصر ، وهو عندهم بدار [ ص: 29 ] مضيعة ، وكان لي في كل حمل ألف دينار موضوعة فيه من مصر لا يشعر بها أحد ، فاستوهبت ذلك من أم المقتدر ، فكلمت في ذلك ولدها ، فأطلقه لي فتسلمته ، فإذا الذهب لم ينقص منه شيء .
وقد كان مع ذلك مغفلا شديد التغفل في كلامه وأفعاله ، وقد ذكر عنه أشياء تدل على ذلك ، وقيل : إنه إنما كان يفعل ذلك ليظهر أنه مغفل . وقيل : إنه كان يقول ذلك على سبيل البسط والدعابة . والله تعالى أعلم .