[ ص: 21 ] ثم دخلت سنة أربع عشرة وثلاثمائة
كتب ملك الروم ، وهو الدمستق - لعنه الله - إلى أهل السواحل أن يحملوا إليه الخراج وإلا قاتلهم ، فأبوا عليه ، فركب إليهم في أول هذه السنة ، فعاث في الأرض فسادا ، ودخل ملطية فقتل من أهلها كثيرا وأسر ، وأقام بها ستة عشر يوما ، وجاء أهلها إلى بغداد يستنجدون الخليفة عليه .
ووقع ببغداد حريق في مكانين ، مات بسببه خلق كثير ، واحترق بأحدهما ألف دار ودكان ، وجاءت الكتب بموت الدمستق ملك النصارى - لعنه الله - فقرئت الكتب على المنابر بذلك ، وجاءت الكتب من مكة أن أهلها في غاية الانزعاج بسبب اقتراب القرمطي إليهم وقصده إياهم ، فرحلوا منها إلى الطائف وتلك النواحي ، وهبت ريح عظيمة بنصيبين اقتلعت الأشجار وهدمت البيوت .
قال : وفي يوم الأحد لثمان مضين من شوال منها - وهو سابع كانون الأول - سقط ابن الجوزي ببغداد ثلج عظيم جدا وحصل بسببه برد شديد ، بحيث أتلف كثيرا من النخيل والأشجار ، وجمدت الأدهان حتى الأشربة ، وماء الورد ، والخل ، والخلجان الكبار ، ودجلة .
وعقد بعض مشايخ الحديث [ ص: 22 ] مجلس التحديث على متن دجلة من فوق الجمد ، وكتب عنه الحديث هنالك ، ثم انكسر البرد بمطر وقع ، فأزال ذلك كله ، ولله الحمد .
وقدم الحجاج من خراسان إلى بغداد فاعتذر إليهم مؤنس الخادم بأن القرامطة قد قصدوا مكة فرجعوا ، ولم يتهيأ الحج في هذه السنة من ناحية العراق بالكلية .
وفي ذي القعدة عزل الخليفة وزيره أبا العباس الخصيبي بعد سنة وشهرين ، وأمر بالقبض عليه وحبسه ، وذلك لإهماله أمر الوزارة والنظر في المصالح ; لاشتغاله بالخمر في كل ليلة فيصبح مخمورا لا عقل له ، وقد وكل الأمور إلى نوابه ، فخانوا وعملوا مصالحهم ، وولى مكانه أبا القاسم عبيد الله بن محمد الكلوذاني نيابة عن علي بن عيسى حتى يقدم ، ثم أرسل في طلب علي بن عيسى ، وهو في دمشق فقدم بغداد في أبهة عظيمة ، فنظر في المصالح العامة والخاصة ، ورد الأمور إلى السداد والاستقامة ، وتمهدت القواعد ، واستدعى بالخصيبي ، فتهدده ولامه وناقشه على ما كان يعتمده ويفعله في خاصة نفسه ، وفي الأمور العامة ، وذلك بحضرة القضاة والأعيان ، ثم رده إلى السجن .
وفيها أخذ نصر بن أحمد الساماني الملقب بالسعيد بلاد الري وسكنها إلى سنة ست عشرة .
وفيها غزت الصائفة من بلاد طرسوس بلاد الروم ، فغنموا وسلموا . ولم [ ص: 23 ] يحج ركب العراق ; خوفا من القرامطة ، لعنهم الله .