[ ص: 613 ] ثم دخلت سنة خمس وسبعين ومائتين
في المحرم منها ابن أبي الساج وبين خمارويه ، فاقتتلا عند وقع الخلاف بين ثنية العقاب شرقي دمشق فغلب ابن أبي الساج وانهزم ، وكانت حواصله بحمص ، فبعث خمارويه من سبقه إليها ، فأخذها ومنع منه حمص فذهب إلى حلب فمنعه خمارويه ، فسار إلى الرقة فاتبعه ، فذهب إلى الموصل ثم انهزم منها خوفا من خمارويه ووصل خمارويه إلى البلد ، واتخذ له بها سريرا طويل القوائم ، وكان يجلس عليه في الفرات ، فعند ذلك طمع فيه إسحاق بن كنداج فسار وراءه ; ليظفر منه بشيء فلم يقدر ، وقد التقيا في بعض الأيام ، فصبر له ابن أبي الساج صبرا عظيما ، فسلم وانصرف إلى أبي أحمد الموفق ببغداد ، فأكرمه وخلع عليه واستصحبه معه إلى الجبل ، ورجع إسحاق بن كنداج إلى ديار بكر ومضر من الجزيرة .
وفي هذه السنة في شوال منها أبو أحمد الموفق ابنه أبا العباس المعتضد في دار الإمارة ، وكان سبب ذلك أنه أمره بالمسير إلى بعض الوجوه ، فامتنع أن يسير إلا إلى سجن الشام التي كان عمه المعتمد ولاه إياها ، فغضب عليه وأمر بسجنه ، فثارت الأمراء واختبطت بغداد وركب الموفق إلى بغداد وقال [ ص: 614 ] للناس : أتظنون أنكم أشفق على ولدي مني ؟ فسكن الناس عند ذلك وتراجعوا إلى منازلهم ، ثم أفرج عنه ، ولله الحمد والمنة .
وفي هذه السنة سار رافع إلى محمد بن زيد أخي فأخذ منه مدينة الحسن بن زيد العلوي ، جرجان فهرب منه إلى أستراباذ فحصره بها سنتين ، فغلا بها السعر حتى بيع الملح بها وزن الدرهم بدرهمين ، فهرب محمد بن زيد منها ليلا إلى سارية ، ثم أخذ منه رافع بلادا كثيرة بعد ذلك في مدة متطاولة .
وفي المحرم منها - أو في صفر - كانت وفاة المنذر بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الأقوي صاحب الأندلس عن ست وأربعين سنة . وكانت ولايته سنة وأحد عشر شهرا وعشرة أيام ، وكان أسمر طويلا ، بوجهه أثر جدري ، جوادا ممدحا ، يحب الشعراء ويصلهم بمال كثير ، وخلف من الأولاد ستة ذكور ، وقام بالأمر من بعده أخوه عبد الله بن محمد ، فامتلأت بلاد الأندلس في أيامه فتنا وشرورا حتى هلك ، كما سيأتي .