في يوم الخميس ثالث صفر من هذه السنة الأفشين على المعتصم سامراء ومعه بابك الخرمي وأخوه دخل عبد الله في تجمل عظيم ، وقد أمر المعتصم ابنه هارون الواثق أن يتلقى الأفشين وكانت أخباره تفد إلى المعتصم في كل يوم من شدة اعتناء المعتصم بأمر بابك ، وقد ركب المعتصم قبل وصول بابك بيومين على البريد حتى دخل إلى بابك وهو لا يعرفه ، فنظر إليه ثم رجع ، فلما كان يوم دخوله عليه تأهب المعتصم واصطف الناس سماطين ، وأمر بابك أن يركب على فيل ليشتهر أمره ويعرفوه ، وعليه قباء ديباج وقلنسوة سمور مدورة ، وقد هيئ الفيل ، وخضبت أطرافه ، وألبس من الحرير والأمتعة التي تليق به كثيرا ، وقد قال فيه بعضهم :
[ ص: 249 ]
قد خضب الفيل كعاداته يحمل شيطان خراسان والفيل لا تخضب أعضاؤه
إلا لذي شأن من الشان
ولما قتله المعتصم توج الأفشين وقلده وشاحين من جوهر ، وأطلق له عشرين ألف ألف درهم ، وكتب له بولاية السند وأمر الشعراء أن يدخلوا عليه فيمدحوه [ ص: 250 ] على ما فعل من الخير إلى المسلمين ، وعلى تخريبه بلد بابك التي يقال لها البذ وتركه إياها يبابا خرابا ، فقالوا في ذلك فأحسنوا ، وكان من جملتهم وقد أورد قصيدته بتمامها الإمام أبو تمام الطائي ، أبو جعفر رحمه الله في " " تاريخه " " ، وهي قوله :
بذ الجلاد فهو دفين ما إن به إلا الوحوش قطين
لم يقر هذا السيف هذا الصبر في هيجاء إلا عز هذا الدين
قد كان عذرة سؤدد فافتضها بالسيف فحل المشرق الأفشين فأعادها تعوي الثعالب وسطها
ولقد ترى بالأمس وهي عرين هطلت عليها من جماجم أهلها
ديم أمارتها طلى وشئون كانت من المهجات قبل ذاك مفازة
عسرا فأمست وهي منه معين
[ ص: 252 ] وخرج من بغداد فعسكر غربي دجلة يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادى الأولى ، ووجه بين يديه عجيفا ، وطائفة من الأمراء ومعهم خلق من الجيش إعانة لأهل زبطرة فأسرعوا السير ، فوجدوا ملك الروم قد فعل ما فعل وانشمر إلى بلاده راجعا ، وتفارط الحال ولم يمكن الاستدراك فيه ، ورجعوا إلى الخليفة لإعلامه بما وقع من الأمر ، فقال للأمراء : أي بلاد الروم أمنع ؟ قالوا : عمورية لم يعرض لها أحد منذ كان الإسلام ، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية .