سليمان بن يسار أحد التابعين .
وعكرمة مولى ابن عباس ،
أحد التابعين ، والمفسرين المكثرين ، والعلماء الربانيين ، والرحالين الجوالين .
والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
[ ص: 24 ] كان أحد الفقهاء المشهورين .
وكثير عزة الشاعر المشهور ، وهو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر ، أبو صخر الخزاعي الحجازي ، المعروف بابن أبي جمعة وعزة هذه - المشهور بها المنسوب إليها ، لتغزله فيها - هي أم عمرو عزة - بالعين المهملة - بنت جميل بن حفص من بني حاجب بن غفار وإنما صغر اسمه فقيل : كثير . لأنه كان دميم الخلق قصيرا ، طوله ثلاثة أشبار .
قال ابن خلكان كان يقال له : زب الذباب . وكان إذا مشى يظن أنه صغير من قصره ، وكان إذا دخل على يقول له : طأطئ رأسك لا يؤذك السقف . وكان يضحك إليه ، وكان يفد على عبد الملك بن مروان ووفد على عبد الملك بن مروان عمر بن عبد العزيز أيضا ، وكان يقال : إنه أشعر الإسلاميين . على أنه كان فيه تشيع ، وربما نسبه بعضهم إلى مذهب التناسخية ، وكان يحتج على ذلك من جهله وقلة عقله إن صح النقل عنه ، بقوله تعالى : في أي صورة ما شاء ركبك [ الانفطار : 8 ] . وقد استأذن يوما على عبد الملك فلما دخل عليه قال عبد الملك : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه . فقال : مهلا يا أمير [ ص: 25 ] المؤمنين ، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ، إن نطق نطق ببيان ، وإن قاتل قاتل بجنان ، وأنا الذي أقول :
وجربت الأمور وجربتني وقد أبدت عريكتي الأمور وما تخفى الرجال علي إني
بهم لأخو مثاقبة خبير ترى الرجل النحيف فتزدريه
وفي أثوابه أسد مزير ويعجبك الطرير فتجتبيه
فيخلف ظنك الرجل الطرير وما عظم الرجال لها بزين
ولكن زينها كرم وخير بغاث الطير أطولها جسوما
ولم تطل البزاة ولا الصقور وقد عظم البعير بغير لب
فلم يستغن بالعظم البعير فيركب ثم يضرب بالهراوى
ولا عرف لديه ولا نكير وعود النبع ينبت مستمرا
وليس يطول والقصباء خور
[ ص: 26 ] قالوا : ودخل يوما على كثير عزة فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها : عبد الملك بن مروان
على ابن أبي العاصي دروع حصينة أجاد المسدي سردها وأذالها
وإذا تجيء كتيبة ملمومة شهباء يخشى الذائدون نهالها
كنت المقدم غير لابس جنة بالسيف تضرب معلما أبطالها
ودخل يوما على عبد الملك وهو يتجهز للخروج إلى مصعب بن الزبير فقال : ويحك يا كثير ! ذكرتك الآن بشعرك ، فإن أصبته أعطيتك حكمك . فقال : يا أمير المؤمنين ، كأنك لما ودعت عاتكة بنت يزيد بكت لفراقك ، فبكى لبكائها حشمها فذكرت قولي :
إذا ما أراد الغزو لم تثن عزمه حصان عليها نظم در يزينها
نهته فلما لم تر النهي عاقه بكت فبكى مما عراها قطينها
وقال حماد الراوية ، عن وفدت أنا كثير عزة : والأحوص ونصيب إلى عمر بن عبد العزيز حين ولي الخلافة ، ونحن نمت إليه بصحبتنا إياه ومعاشرتنا له لما كان بالمدينة فكل منا يظن أنه سيشركه في الخلافة ، فنحن نسير ونختال في رحالنا ، فلما انتهينا إلى خناصرة ولاحت لنا أعلامها ، تلقانا مسلمة بن عبد الملك فقال : ما أقدمكم ؟ أوما علمتم أن صاحبكم لا يحب الشعر ؟ قال : فوجمنا لذلك ، فأنزلنا مسلمة عنده ، وأجرى علينا النفقات وعلف دوابنا ، وأقمنا عنده أربعة أشهر ، لا يمكنه أن يستأذن لنا على عمر فلما كان في بعض الجمع دنوت منه لأسمع خطبته فأسلم عليه بعد الصلاة ، فسمعته يقول في خطبته : لكل سفر زاد لا محالة ، فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى ، وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من عذابه [ ص: 28 ] وثوابه فترغبوا وترهبوا ، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم وتنقادوا لعدوكم ، فإنه والله ما بسط أمل من لا يدري لعله لا يمسي بعد إصباحه ولا يصبح بعد إمسائه ، وربما كانت له بين ذلك خطرات المنايا ، وإنما يطمئن من وثق بالنجاة من عذاب الله وأهوال يوم القيامة ، فأما من لا يداوي من الدنيا كلما إلا أصابه جارح من ناحية أخرى ، فكيف يطمئن ؟ ! أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي وتبدو مسكنتي في يوم لا ينفع فيه إلا الحق والصدق . ثم بكى حتى ظننا أنه قاض نحبه ، وارتج المسجد وما حوله بالبكاء والعويل . قال : فانصرفت إلى صاحبي ، فقلت : خذا شرجا من الشعر غير ما كنا نقول لعمر وآبائه ، فإنه رجل آخري ، ليس برجل دنيا . قال : ثم استأذن لنا مسلمة عليه يوم الجمعة ، فلما دخلنا عليه سلمت عليه ، ثم قلت : يا أمير المؤمنين ، طال الثواء ، وقلت الفائدة ، وتحدث بجفائك إيانا وفود العرب . فقال : إنما الصدقات للفقراء والمساكين [ التوبة : 60 ] - وقرأ الآية - فإن كنتم من هؤلاء أعطيتكم ، وإلا فلا حق لكم فيها . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إني مسكين وعابر سبيل ومنقطع به . فقال : ألستم عند أبي سعيد ؟ يعني مسلمة بن عبد الملك فقلنا : بلى . فقال : إنه لا ثواء على من هو عند أبي سعيد . فقلت : ائذن لي يا أمير المؤمنين في الإنشاد . قال : نعم ، ولا تقل إلا حقا . فأنشدته قصيدة فيه :
[ ص: 29 ]
وليت فلم تشتم عليا ولم تخف بريا ولم تقبل إشارة مجرم
وصدقت بالفعل المقال مع الذي أتيت فأمسى راضيا كل مسلم
ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه من الأود البادي ثقاف المقوم
وقد لبست تسعى إليك ثيابها تراءى لك الدنيا بكف ومعصم
وتومض أحيانا بعين مريضة وتبسم عن مثل الجمان المنظم
فأعرضت عنها مشمئزا كأنما سقتك مدوفا من سمام وعلقم
وقد كنت من أجبالها في ممنع ومن بحرها في مزبد الموج مفعم
وما زلت تواقا إلى كل غاية بلغت بها أعلى البناء المقدم
فلما أتاك الملك عفوا ولم تكن لطالب دنيا بعده في تكلم
تركت الذي يفنى وإن كان مونقا وآثرت ما يبقى برأي مصمم
وأضررت بالفاني وشمرت للذي أمامك في يوم من الشر مظلم
وما لك إذ كنت الخليفة مانع سوى الله من مال رغيب ولا دم
سما لك هم في الفؤاد مؤرق بلغت به أعلى المعالي بسلم
فما بين شرق الأرض والغرب كلها مناد ينادي من فصيح وأعجم
يقول أمير المؤمنين ظلمتني بأخذك ديناري ولا أخذ درهمي
ولا بسط كف لامرئ غير مجرم ولا السفك منه ظالما ملء محجم
ولو يستطيع المسلمون لقسموا لك الشطر من أعمارهم غير ندم
فعشت بها ما حج لله راكب ملب مطيف بالمقام وزمزم [ ص: 30 ]
فأربح بها من صفقة لمبايع وأعظم بها أعظم بها ثم أعظم
وقال الزبير بن بكار : كان شيعيا خشبيا يرى الرجعة ، وكان يرى التناسخ ، ويحتج بقوله تعالى : كثير عزة في أي صورة ما شاء ركبك [ الانفطار : 8 ] . وقال هول موسى بن عقبة : ليلة في منامه ، فأصبح يمتدح كثير عزة آل الزبير ويرثي عبد الله بن الزبير وكان يسيء الرأي فيه :
بمفتضح البطحاء ثاو لو انه أقام بها ما لم ترمها الأخاشب
سرحنا سروبا آمنين ومن يخف بوائق ما يخشى تنبه النوائب
تبرأت من عيب ابن أسماء إنني إلى الله من عيب ابن أسماء تائب
هو المرء لا تزري به أمهاته وآباؤه فينا الكرام الأطايب
صحا قلبه يا عز أو كاد يذهل وأضحى يريد الصوم أو يتبدل
وكيف يريد الصوم من هو وامق لعزة لا قال ولا متبذل
إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا أبينا وقلنا الحاجبية أول
سنوليك عرفا إن أردت وصالنا ونحن لتيك الحاجبية أوصل
وحدثها الواشون أني هجرتها فحملها غيظا علي المحمل
يا رب عارضة علينا وصلها بالجد تخلطه بقول الهازل
فأجبتها بالقول بعد تستر حبي بثينة عن وصالك شاغلي
لو كان في قلبي بقدر قلامة فضل وصلتك أو أتتك رسائلي
[ ص: 32 ] ومما أنشده ابن الأنباري ، : لكثير عزة
بأبي وأمي أنت من معشوقة طبن العدو لها فغير حالها
ومشى إلي بعيب عزة نسوة جعل الإله خدودهن نعالها
الله يعلم لو جمعن ومثلت لاخترت قبل تأمل تمثالها
ولو ان عزة خاصمت شمس الضحى في الحسن عند موفق لقضى لها
فما أحدث النأي الذي كان بيننا سلوا ولا طول اجتماع تقاليا
وما زادني الواشون إلا صبابة ولا كثرة الناهين إلا تماديا
فقلت لها يا عز كل مصيبة إذا وطنت يوما لها النفس ذلت
هنيئا مريئا غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت
ومن لا يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتتبع جاهدا كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
قضى كل ذي دين علمت غريمه وعزة ممطول معنى غريمها
وقد زعمت أني تغيرت بعدها ومن ذا الذي يا عز لا يتغير
تغير جسمي والخليقة كالذي عهدت ولم يخبر بسرك مخبر
كأني أنادي صخرة حين أعرضت من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوح فما تلقاك إلا بخيلة ومن مل منها ذلك الوصل ملت
وروي عن بعض نساء العرب قالت : اجتازت بنا عزة فاجتمع نساء الحاضر إليها لينظرن حسنها ، فإذا هي حميراء حلوة لطيفة ، فلم تقع من النساء بذلك الموقع حتى تكلمت ، فإذا هي أبرع الخلق وأحلاه حديثا ، فما بقي في [ ص: 34 ] أعيننا امرأة تفوقها حسنا وجمالا وحلاوة .
وذكر الأصمعي ، عن سفيان بن عيينة قال : دخلت عزة على فقالت لها : إني أسألك عن شيء فاصدقيني ، ما الذي أراد سكينة بنت الحسين كثير في قوله لك :
قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها
وقد روي أن أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز قالت لها مثل هذا سواء . والله أعلم .
وروي أن أراد أن يزوج عبد الملك بن مروان كثيرا من عزة فأبت عليه ، وقالت : يا أمير المؤمنين ، أبعدما فضحني بين الناس وشهرني في العرب؟ ! وامتنعت من ذلك كل الامتناع . ذكره . ابن عساكر
وروي أنها اجتازت مرة بكثير وهو لا يعرفها ، فتنكرت عليه ، وأرادت أن تختبر ما عنده ، فتعرض لها فقالت له : فأين حبك عزة ؟ فقال : أنا لك الفداء ، لو أن عزة أمة لي لوهبتها لك . فقالت : ويحك ! لا تفعل ، ألست القائل :
[ ص: 35 ]
إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا أبينا وقلنا الحاجبية أول
هل وصل عزة إلا وصل غانية في وصل غانية من وصلها بدل
لحا الله من لا ينفع الود عنده ومن حبله إن مد غير متين
ومن هو ذو وجهين ليس بدائم على العهد حلاف بكل يمين
وقد ماتت عزة بمصر في أيام عبد العزيز بن مروان وزار كثير قبرها ورثاها ، وتغير شعره بعدها ، فقال له قائل : ما بال شعرك تغير ، وقد قصرت فيه ؟ فقال : ماتت عزة فلا أطرب ، وذهب الشباب فلا أعجب ، ومات عبد العزيز بن مروان فلا أرغب ، وإنما الشعر عن هذه الخلال .
وكانت وفاته ووفاة عكرمة في يوم واحد ، ولكن في سنة خمس ومائة ، [ ص: 36 ] على المشهور . وإنما ذكره شيخنا أبو عبد الله الذهبي في هذه السنة . أعني سنة سبع ومائة . والله سبحانه أعلم .