( ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ( 78 ) )
قوله عز وجل : ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) قيل : جاهدوا في سبيل الله أعداء الله " حق جهاده " هو استفراغ الطاقة فيه ، قاله ابن عباس : وعنه أيضا أنه قال : لا تخافوا في الله لومة لائم فهو حق الجهاد ، كما قال تعالى : ( يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) ( المائدة : 54 ) .
قال الضحاك ومقاتل : اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته .
وقال مقاتل بن سليمان : نسخها قوله ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ( التغابن : 16 ) ، وقال أكثر المفسرين : " حق الجهاد " : أن تكون نيته خالصة صادقة لله عز وجل . وقال : هو أن يطاع فلا يعصى . السدي
وقال : هو عبد الله بن المبارك مجاهدة النفس والهوى ، وهو ، وهو حق الجهاد . وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك قال : الجهاد الأكبر " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد [ ص: 403 ] الأكبر " وأراد بالجهاد الأصغر الجهاد مع الكفار ، وبالجهاد الأكبر الجهاد مع النفس .
( هو اجتباكم ) أي : اختاركم لدينه ، ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ضيق ، معناه : أن ، بعضها بالتوبة ، وبعضها برد المظالم والقصاص ، وبعضها بأنواع الكفارات ، فليس في دين الإسلام ذنب لا يجد العبد سبيلا إلى الخلاص من العقاب فيه . المؤمن لا يبتلى بشيء من الذنوب إلا جعل الله له منه مخرجا
وقيل : من ضيق في أوقات فروضكم مثل هلال شهر رمضان والفطر ووقت الحج إذا التبس ذلك عليكم ، وسع ذلك عليكم حتى تتيقنوا .
وقال مقاتل : يعني ، كقصر الصلاة في السفر ، والتيمم ، وأكل الميتة عند الضرورة ، والإفطار بالسفر والمرض ، والصلاة قاعدا عند العجز . وهو قول الرخص عند الضرورات الكلبي .
وروي عن ابن عباس أنه قال : الحرج ما كان على بني إسرائيل من الآصال التي كانت عليهم ، وضعها الله عن هذه الأمة .
( ملة أبيكم إبراهيم ) أي : كلمة أبيكم ، نصب بنزع حرف الصفة . وقيل : نصب على الإغراء ، أي : اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم ، [ وإنما أمرنا باتباع ملة إبراهيم ] لأنها داخلة في ملة محمد صلى الله عليه وسلم .
فإن قيل : فما وجه قوله : ( ملة أبيكم ) وليس كل المسلمين يرجع نسبهم إلى إبراهيم؟ .
قيل : خاطب به العرب وهم كانوا من نسل إبراهيم . وقيل : خاطب به جميع المسلمين ، وإبراهيم أب لهم ، على معنى وجوب احترامه وحفظ حقه كما يجب احترام الأب ، وهو كقوله تعالى : ( وأزواجه أمهاتهم ) ( الأحزاب : 6 ) [ ص: 404 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : . " إنما أنا لكم مثل الوالد [ لوالده ] "
( هو سماكم ) يعني أن الله تعالى سماكم ( المسلمين من قبل ) يعني من قبل نزول القرآن في الكتب المتقدمة . ( وفي هذا ) أي : في الكتاب ، هذا قول أكثر المفسرين . وقال ابن زيد : " هو " يرجع إلى إبراهيم أي أن إبراهيم سماكم المسلمين في أيامه ، من قبل هذا الوقت ، وفي هذا الوقت ، وهو قوله : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) ( البقرة : 127 ) ، ( ليكون الرسول شهيدا عليكم ) يوم القيامة أن قد بلغكم ، ( وتكونوا ) أنتم ، ( شهداء على الناس ) أن رسلهم قد بلغتهم ، ( فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله ) أي : ثقوا بالله وتوكلوا عليه . قال الحسن : تمسكوا بدين الله . وروي عن ابن عباس قال : سلوا ربكم أن يعصمكم من كل ما يكره . وقيل : معناه ادعوه ليثبتكم على دينه . وقيل : الاعتصام بالله هو التمسك بالكتاب والسنة ، ( هو مولاكم ) [ وليكم ] وناصركم وحافظكم ، ( فنعم المولى ونعم النصير ) الناصر لكم .