قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " للذين يؤلون " ، للذين يقسمون ألية " والألية " الحلف ، كما : -
4478 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا مسلمة بن علقمة قال : حدثنا عن داود بن أبي هند في قوله : " سعيد بن المسيب للذين يؤلون " ، يحلفون .
يقال : " آلى فلان يؤلي إيلاء وألية " ، كما قال الشاعر :
كفينا من تغيب في تراب وأحنثنا ألية مقسمينا
ويقال : " ألوة وألوة " ، كما قال الراجز :
يا ألوة ما ألوة ما ألوتي
وقد حكي عنهم أيضا أنهم يقولون : " إلوة " مكسورة الألف .
" والتربص " : النظر والتوقف .
ومعنى الكلام : للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر ، فترك ذكر " أن يعتزلوا " ، اكتفاء بدلالة ما ظهر من الكلام عليه .
واختلف أهل التأويل في . [ ص: 457 ] صفة اليمين التي يكون بها الرجل موليا من امرأته
فقال بعضهم : اليمين التي يكون بها الرجل موليا من امرأته : أن يحلف عليها في - حال غضب على وجه الضرار - أن لا يجامعها في فرجها ، فأما إن حلف على غير وجه الإضرار ، وعلى غير غضب ، فليس هو موليا منها .
ذكر من قال ذلك :
4479 - حدثنا قال : حدثنا هناد بن السري أبو الأحوص عن سماك عن حريث بن عميرة عن أم عطية قالت ، قال جبير : أرضعي ابن أخي مع ابنك! فقالت : ما أستطيع أن أرضع اثنين! فحلف أن لا يقربها حتى تفطمه . فلما فطمته مر به على المجلس ، فقال له القوم : حسنا ما غذوتموه! قال جبير : إني حلفت أن لا أقربها حتى تفطمه! فقال له القوم : هذا إيلاء!! فأتى عليا فاستفتاه ، فقال : إن كنت فعلت ذلك غضبا فلا تصلح لك امرأتك ، وإلا فهي امرأتك .
4480 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن سماك أنه سمع عطية بن جبير قال : توفيت أم صبي نسيبة لي [ ص: 458 ] فكانت امرأة أبي ترضعه ، فحلف أن لا يقربها حتى تفطمه . فلما مضت أربعة أشهر قيل له : قد بانت منك! - وأحسب ، شك أبو جعفر قال : - فأتى عليا يستفتيه فقال : إن كنت قلت ذلك غضبا فلا امرأة لك ، وإلا فهي امرأتك .
4481 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن المثنى أبو داود قال : حدثنا شعبة قال : أخبرني سماك قال : سمعت عطية بن جبير - يذكر نحوه عن علي .
4482 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد داود عن سماك عن رجل من بني عجل عن أبي عطية : أنه توفي أخوه وترك ابنا له صغيرا ، فقال أبو عطية لامرأته : أرضعيه! فقالت : إنى أخشى أن تغيلهما ، فحلف أن لا يقربها حتى تفطمهما ، ففعل حتى فطمتهما . فخرج ابن أخي أبي عطية إلى المجلس ، فقالوا : لحسن ما غذا أبو عطية ابن أخيه! قال : كلا! زعمت أم عطية أني أغيلهما ، فحلفت أن لا أقربها حتى تفطمهما . فقالوا له : قد حرمت عليك امرأتك ! فذكرت ذلك لعلي رضي الله عنه ، فقال علي : إنما أردت الخير ، وإنما الإيلاء في الغضب .
4483 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن المثنى عبد الأعلى قال : حدثنا داود عن سماك عن أبي عطية : أن أخاه توفي - فذكر نحوه .
4484 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا عن داود بن أبي هند : أن رجلا هلك أخوه فقال لامرأته : أرضعي [ ص: 459 ] ابن أخي . فقالت : أخاف أن تقع علي ! فحلف أن لا يمسها حتى تفطم . فأمسك عنها ، حتى إذا فطمته أخرج الغلام إلى قومه ، فقالوا : لقد أحسنت غذاءه! فذكر لهم شأنه ، فذكروا امرأته ، قال : فذهب إلى سماك بن حرب علي - فاستحلفه بالله : " ما أردت بذلك؟ " ، يعني إيلاء ، قال : فردها عليه .
4485 - حدثنا علي بن عبد الأعلى قال : حدثنا المحاربي عن أشعث بن سوار عن سماك عن عطية بن أبي عطية قال : توفي أخ لي وترك يتيما له رضيعا ، وكنت رجلا معسرا ، لم يكن بيدي ما أسترضع له . قال : فقالت لي امرأتي ، - وكان لي منها ابن ترضعه - : إن كفيتني نفسك كفيتكهما ! فقلت : وكيف أكفيك نفسي؟ قالت : لا تقربني . فقلت : والله لا أقربك حتى تفطميهما . قال : ففطمتهما وخرجا على القوم ، فقالوا : ما نراك إلا قد أحسنت ولايتهما! قال : فقصصت عليهم القصة ، فقالوا : ما نراك إلا آليت منها وبانت منك! قال : فأتيت عليا فقصصت عليه القصة ، فقال : إنما الإيلاء ما أريد به الإيلاء .
4486 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن بكر البرساني سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال : لا إيلاء إلا بغضب .
4487 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن عن عمرو بن دينار عطاء عن ابن عباس قال : لا إيلاء إلا بغضب .
4488 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار عبد الرحمن قال : حدثنا ابن وكيع عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال : لا إيلاء إلا بغضب . [ ص: 460 ]
4489 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود عن عن سماك بن حرب أبي عطية عن علي قال : لا إيلاء إلا بغضب .
4490 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة أن عليا قال : إذا قال الرجل لامرأته وهي ترضع : " والله لا قربتك حتى تفطمي ولدي " ، يريد به صلاح ولده ، قال : ليس عليه إيلاء .
4491 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا إسحاق بن منصور السلولي عن عن محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار سعيد بن جبير قال : جاء رجل إلى علي فقال : إني قلت لامرأتي لا أقربها سنتين . قال : قد آليت منها . قال : إنما قلت لأنها ترضع! قال : فلا إذا .
4492 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه ، عن عن داود بن أبي هند عن سماك بن حرب أبي عطية عن علي أنه كان يقول : إنما الإيلاء ما كان في غضب ، يقول الرجل : " والله لا أقربك ، والله لا أمسك ! " . فأما ما كان في إصلاح من أمر الرضاع وغيره ، فإنه لا يكون إيلاء ، ولا تبين منه .
4493 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا - قال : حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي حماد بن زيد عن حفص عن الحسن : أنه سئل عنها فقال : لا والله ، ما هو بإيلاء . [ ص: 461 ]
4494 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا بشر بن منصور عن عن ابن جريج عطاء قال : إذا حلف من أجل الرضاع فليس بإيلاء .
4495 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني يونس قال : سألت ابن شهاب عن الرجل يقول : والله لا أقرب امرأتي حتى تفطم ولدي! قال : لا أعلم الإيلاء يكون إلا بحلف بالله ، فيما يريد المرء أن يضار به امرأته من اعتزالها ، ولا نعلم فريضة الإيلاء إلا على أولئك ، فلا ترى أن هذا الذي أقسم بالاعتزال لامرأته حتى تفطم ولده ، أقسم إلا على أمر يتحرى به فيه الخير ، فلا نرى وجب على هذا ما وجب على المولي الذي يولي في الغضب .
وقال آخرون : سواء إذا حلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها في فرجها كان حلفه في غضب أو غير غضب ، كل ذلك إيلاء .
ذكر من قال ذلك :
4496 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار ابن مهدي قال : حدثنا سفيان عن مغيرة عن إبراهيم - في رجل قال لامرأته : " إن غشيتك حتى تفطمي ولدك فأنت طالق " ، فتركها أربعة أشهر . قال : هو إيلاء .
4497 - حدثنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن أبي معشر عن قال : كل شيء يحول بينه وبين غشيانها ، فتركها حتى تمضي أربعة أشهر ، فهو داخل عليه . النخعي
4498 - حدثني المثنى قال : حدثنا قال : حدثنا حبان بن موسى ابن المبارك قال : أخبرنا أبو عوانة عن المغيرة عن القعقاع قال : سألت الحسن عن رجل ترضع امرأته صبيا ، فحلف أن لا يطأها حتى تفطم ولدها ، فقال : ما أرى هذا بغضب ، وإنما الإيلاء في الغضب قال : وقال ابن سيرين : ما أدري ما هذا [ ص: 462 ] الذي يحدثون؟! إنما قال الله : " للذين يؤلون من نسائهم " إلى " فإن الله سميع عليم " ، إذا مضت أربعة أشهر ، فليخطبها إن رغب فيها .
4499 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن مهدي قال : حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم - في رجل حلف أن لا يكلم امرأته - قال : كانوا يرون الإيلاء في الجماع .
4500 - حدثنا أبو السائب قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال : قال : كل يمين منعت جماعا حتى تمضي أربعة أشهر ، فهي إيلاء .
4501 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت إسماعيل وأشعث عن الشعبي مثله .
4502 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قالا : كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء . والشعبي
وقال آخرون : كل يمين حلف بها الرجل في مساءة امرأته ، فهي إيلاء منه منها ، على الجماع حلف أو غيره ، في رضا حلف أو سخط .
ذكر من قال ذلك :
4503 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن خصيف عن الشعبي قال : كل يمين حالت بين الرجل وبين امرأته فهي إيلاء ، إذا قال : " والله لأغضبنك ، والله لأسوأنك ، والله لأضربنك " ، وأشباه هذا . [ ص: 463 ]
4504 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثني أبي وشعيب عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن أبي ذئب العامري : أن رجلا من أهله قال لامرأته : " إن كلمتك سنة فأنت طالق " ، واستفتى القاسم وسالما فقالا إن كلمتها قبل سنة فهي طالق ، وإن لم تكلمها فهي طالق إذا مضت أربعة أشهر .
4505 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان قال : سمعت حمادا قال قلت لإبراهيم : ، أو ليغضبنها ، أو ليحرمنها ، أو ليسوأنها؟ قال : نعم . الإيلاء : أن يحلف أن لا يجامعها ولا يكلمها ولا يجمع رأسه برأسها
4506 - حدثنا قال : حدثنا ابن المثنى محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة قال : سألت الحكم عن رجل قال لامرأته : " والله لأغيظنك " ! فتركها أربعة أشهر ، قال : هو إيلاء .
4507 - حدثنا قال : حدثنا ابن المثنى قال : سمعت وهب بن جرير شعبة قال : سألت الحكم فذكر مثله .
4508 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثنا يونس قال : قال ابن شهاب حدثني : أنه إن حلف رجل أن لا يكلم امرأته يوما أو شهرا ، قال : فإنا نرى ذلك يكون إيلاء . وقال : إلا أن يكون حلف أن لا يكلمها ، فكان يمسها فلا نرى ذلك يكون من الإيلاء . سعيد بن المسيب . فمن فعل ذلك ، قبل أن تمضي الأربعة أشهر ، فقد فاء . ومن فاء بعد أربعة أشهر وهي في عدتها ، فقد فاء وملك امرأته ، غير أنه مضت لها تطليقة . [ ص: 464 ] والفيء : أن يفيء إلى امرأته فيكلمها أو يمسها
قال أبو جعفر : وعلة من قال : " إنما الإيلاء في الغضب والضرار " : أن الله تعالى ذكره إنما جعل الأجل الذي أجل في الإيلاء مخرجا للمرأة من عضل الرجل وضراره إياها ، فيما لها عليه من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف . وإذا لم يكن الرجل لها عاضلا ولا مضارا بيمينه وحلفه على ترك جماعها ، بل كان طالبا بذلك رضاها ، وقاضيا بذلك حاجتها ، لم يكن بيمينه تلك موليا ، لأنه لا معنى هنالك لحق المرأة به من قبل بعلها مساءة وسوء عشرة ، فيجعل الأجل - الذي جعل للمولي - لها مخرجا منه .
وأما علة من قال : " الإيلاء في حال الغضب والرضا سواء " ، عموم الآية ، وأن الله تعالى ذكره لم يخصص من قوله : " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر " بعضا دون بعض ، بل عم به كل مول ومقسم . فكل مقسم على امرأته أن لا يغشاها مدة هي أكثر من الأجل الذي جعل الله له تربصه ، فمول من امرأته عند بعضهم . وعند بعضهم : هو مول ، وإن كانت مدة يمينه الأجل الذي جعل له تربصه .
وأما علة من قال بقول الشعبي والقاسم وسالم : أن الله تعالى ذكره جعل الأجل الذي حده للمولي مخرجا للمرأة من سوء عشرة بعلها إياها وضراره بها . وليست اليمين عليها بألا يجامعها ولا يقربها ، بأولى بأن تكون من معاني سوء العشرة والضرار ، من الحلف عليها أن لا يكلمها أو يسوءها أو يغيظها . لأن كل ذلك ضرر عليها وسوء عشرة لها . [ ص: 465 ]
قال أبو جعفر : وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك بالصواب ، قول من قال : كل يمين منعت المقسم الجماع أكثر من المدة التي جعل الله للمولي تربصها قائلا في غضب كان ذلك أو رضا . وذلك للعلة التي ذكرناها قبل لقائلي ذلك .
وقد أتينا على فساد قول من خالف ذلك في كتابنا ( كتاب اللطيف ) بما فيه الكفاية ، فكرهنا إعادته في هذا الموضع .