يقول - تعالى ذكره - : وقال المشركون بالله ، المكذبون بالبعث : ( أئذا ضللنا في الأرض ) أي : صارت لحومنا وعظامنا ترابا في الأرض وفيها لغتان : ضللنا ، وضللنا . بفتح اللام وكسرها ، والقراءة على فتحها وهي الجوداء ، وبها نقرأ . وذكر عن الحسن أنه كان يقرأ : ( أئذا صللنا ) بالصاد ، بمعنى : أنتنا ، من قولنا : صل اللحم وأصل إذا أنتن . وإنما عنى هؤلاء المشركون بقولهم : ( أئذا ضللنا في الأرض ) أي : إذا هلكت أجسادنا [ ص: 174 ] في الأرض ؛ لأن كل شيء غلب عليه غيره حتى خفي فيما غلب ، فإنه قد ضل فيه ، تقول العرب : قد ضل الماء في اللبن : إذا غلب عليه حتى لا يتبين فيه ، ومنه قول الأخطل لجرير :
كنت القذى في موج أكدر مزبد قذف الأتي به فضل ضلالا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد ( أئذا ضللنا في الأرض ) يقول : أئذا هلكنا .
حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( أئذا ضللنا في الأرض ) هلكنا .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد : قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( أئذا ضللنا في الأرض ) يقول : أئذا كنا عظاما ورفاتا أنبعث خلقا جديدا ؟ يكفرون بالبعث .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، ( وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد ) قال : ( قالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ) .
وقوله : ( بل هم بلقاء ربهم كافرون ) يقول - تعالى ذكره - : ما بهؤلاء المشركين جحود قدرة الله على ما يشاء ، بل هم بلقاء ربهم كافرون ؛ حذرا لعقابه ، وخوف مجازاته [ ص: 175 ] إياهم على معصيتهم إياه ، فهم من أجل ذلك يجحدون لقاء ربهم في المعاد .