المسألة الرابعة عشرة في ; وذلك لأنها كانت في صدر الإسلام منقولة وهي اليوم مكتوبة ; إذ كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتب إلا القرآن . صفة البيعة لمن أسلم من الكفار
وقد اختلف في السنة على ما بيناه في أصول الفقه وغيرها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتب أصحابه ولا يجمعهم له ديوان حافظ ، اللهم إلا أنه قال يوما : { } . فأما اليوم فيكتب إسلام الكفرة ، كما يكتب سائر معالم الدين المهمة والتوابع منها لضرورة حفظها حين فسد الناس وخفت أمانتهم ، ومرج أمرهم ، ونسخة ما يكتب : بسم الله الرحمن الرحيم : لله أسلم فلان بن فلان من أهل أرض كذا ، وآمن به وبرسوله اكتبوا لي من [ ص: 204 ] يلفظ بالإسلام لأمر عرض له محمد صلى الله عليه وسلم وشهد له بشهادة الصدق ، وأقر بدعوة الحق : لا إله إلا الله محمد رسول الله . والتزم الصلوات الخمس بأركانها وأوصافها ، وأدى الزكاة بشروطها ، وصوم رمضان ، والحج إلى البيت الحرام ، إذا استطاع إليه سبيلا ، ويغتسل من الجنابة ، ويتوضأ من الحدث ، وخلع الأنداد من دون الله ، وتحقق أن الله وحده لا شريك له .
وإن كان نصرانيا قلت : وإن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه .
وإن كان يهوديا قلت : وإن العزير عبد الله وإن كان صابئا قلت : وإن الملائكة عبيد الله ورسله الكرام وكتابه البررة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
وإن كان هنديا قلت : [ وإن ] ماني باطل محض ، وبهتان صرف ، وكذب مختلق مزور . وكذلك من كان على مذهب من الكفر اعتمدته بالبراءة منه بالذكر .
وتقول بعده : سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، { إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا } { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } .
تعالى وتقدس عن ذلك كله ، والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا . والتزم ألا يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا يسرق ، ولا يزني ، ولا يشرب الخمر ، ولا يتكلم بالزور ، ويكون مع إخوانه المؤمنين كأحدهم ، ولا يسلمهم ولا يسلمونه ، ولا يظلمهم ولا يظلمونه ، وعلم أن للدين فرائض وشرائع وسننا ، فعاهد الله على أن يلتزم كل خصلة منها على نعتها بقلب سليم وسنن قويم [ ص: 205 ] والله يهدي من يشاء إلى ما شاء إلى صراط مستقيم وشهد أنه { من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } شهد على فلان بن فلان من أشهد عليه ، وهو صحيح العقل في شهر كذا .
وقد أدرك التقصير جملة من المؤرخين ، وكتبوا معالم الأمر دون وظائف النهي ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر في بيعته الوجهين ، أو يغلب ذكر وظائف النهي ، كما جاء في القرآن .
وكتبوا أنه أسلم طوعا ، وكتبوا : وكان إسلامه على يدي فلان ، وكتبوا أنه اغتسل وصلى .
فأما قولهم : وكان إسلامه طوعا فباطل ، فإنه لو أسلم مكرها لصح إسلامه ولزمه ، وقتل بالردة . وقد بينا ذلك في قوله : { لا إكراه في الدين } ; والكفار إنما يقاتلون قسرا على الإسلام فيستخرج منهم بالسيف . بالخمسة الأوجه المتقدمة فيهم ; فإذا أسلم سقط حكم السيف عنه . والإمام مخير بين قتل الأسرى أو مفاداتهم
وفي الصحيح : { } . عجب ربكم من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل
وكذلك سقط عنه الضرب والقتل ، وكان إسلامه كرها ، وحكم بصحته ، وإنما يكون الإكراه المسقط للإسلام إذا كان ظلما وباطلا ، مثل أن الذمي لو جنى جناية فخاف من موجبها القتل والضرب فأسلم ; فهذا لا يجوز ; فإن أسلم لم يلزمه ، وجاز له الرجوع إلى دينه عند أمنه مما خاف منه . وإذا ادعى الذمي أنه أكره بالباطل لزمه إثبات ذلك ، فلا حاجة إلى ذكر الطواعية بوجه ولا حال في كل كافر . والله أعلم . يقال للذمي [ ابتداء ] من غير جناية ولا سبب : أسلم ، وإلا قتلتك
وأما قولهم : كان إسلامه على يد فلان فأنى علقوها ، ويشبه أن يكونوا رأوه في كتب المخالفين ; لأنهم يذكرون ذلك في شروطهم لعلة أنهم يرون الرجل إذا أسلم على [ ص: 206 ] يدي الرجل كان له ولاؤه ، وذلك مما ليس بمذهب لنا . وقد بينا فساده في مسائل الخلاف وغيرها .
وأما قولهم : اغتسل وصلى ، فليس يحتاج إليه في العقد المكتوب ; لأنه إن لم يكن وقت صلاة ، فلا غسل عليه ولا وضوء ; لأنه ليس عليه صلاة .
وأما إذا كان وقت صلاة فيؤمر بالغسل والصلاة فيفعلهما ، ولا يكون ذلك مكتوبا . والله أعلم .