[قتل العيارين مسلحيا بالمختارة]
وقتل العيارون مسلحيا بالمختارة ، فشكا الشحنة سعد الدولة إلى الديوان ما يتم [ ص: 195 ] منهم ، واستأذن في أخذ المتشبهين فأذن له فأخذ من كان مستورا وغير مستور ، فغلقت المساجد مع صلاة المغرب ولم يصل بها أحد العشاء .
وتصيد السلطان في شعبان ، ثم قدم فمضى إليه القاضي الزينبي وإقبال ونظر والأماثل ، فحلف السلطان بمحضر منهم للخليفة على الطاعة والمناصحة ثم أنفذ السلطان في عشية ذلك اليوم هدية إلى الخليفة . وابن الأنباري
فلما كان يوم الاثنين رابع عشرين شعبان جلس في الدار الشاطئية المجاورة للمثمنة ، وهى من الدور البديعة التي أنشأها المقتدي وتممها المسترشد ، فجلس في قبة على سدة وعليه الثوب المصمت الأسود ، والعمامة الرصافية ، وعلى كتفه بردة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين يديه القضيب ، وحضر الدار وزيره المسترشد أبو علي بن صدقة ورتب الأمور وأقام في كل باب حاجبا بمنطقة ومعه عشرون غلاما من الدار ، وانفرد حاجب المخزن ابن طلحة في مكان ومعه التشريف ، وجلس الوزير في كم الحيرتي ، واستدعى له أرباب المناصب ، وحضر متقدمو العلماء وأتى وزير السلطان أبو [الحسن علي بن] أحمد السميرمي والمستوفي وخواص دولتهم ، ثم وقف الوزير أبو علي بن صدقة عن يسار السدة والوزير أبو طالب عن يمينه ، ثم أقبل السلطان محمود ويده في يد أخيه مسعود وكان قد نفذ إليه الزبزب مع إقبال [ونظر] ، فلما صعد منه قدم مركوبة عند المثمنة فركب إلى باب الدركاه ثم مشى من هناك ، فلما قرب استقبله الوزيران ومن معهما وحجبوه إلى بين يدي الخليفة ، فلما قاربوا كشفت الستارة لهما ووقف السلطان في الموضع الذي كان وزيره قائما فيه وأخوه مما يليه فخدما ثلاث دفعات ، ووقفا والوزير يذكر له عن الخليفة أنسه به وتقربه وحسن اعتقاده فيه ، ثم أمر الخليفة بإفاضة الخلع عليه فحمل إلى مجنب البهو ومعه أخوه وبر نقش وريحان ، [ ص: 196 ] وتولى إفاضة ذلك عليه صاحب المخزن وإقبال ونظر ، وفي الساعة التي كان مشتغلا فيها بلبس الخلع كان الوزيران قائمين بين يدي الخليفة يحضران الأمراء أميرا أميرا فيخدم ويعرف خدمته فيقبل الأرض وينصرف ، ثم عاد السلطان وأخوه فمثلا بين يدي الخليفة وعلى ابن صاعد محمود الخلع السبع والطوق والتاج والسواران فخدما وأمر الخليفة بكرسي فجلس عليه السلطان ، ووعظه الخليفة وتلا عليه قوله تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ، وأمره بالإحسان إلى الرعية ، ثم أذن للوزير أبي طالب في تفسير ذلك عليه ، ففسره وأعاد عنه أنه قال: وفقني الله لقبول أوامر مولانا أمير المؤمنين وارتسامها ، فالسعادات معها متيسرة . وهي بالخيرات مبشرة ، وسلم الخليفة إلى الوزيرين سيفين وأمرهما أن يقلدا بهما السلطان ، فلما فعلا قال له: اقمع بهما الكفار والملحدين .
وعقد الخليفة بيده لوائين حملا معه ، وخدم ، ثم خرج فقدم إليه في صحن الدار فرس من مراكب الخليفة بمركب حديد صيني وقيد بين يديه أربعة أفراس بمراكب ذهب ، وأذن الخليفة بعد ذلك لأرباب الدولة وأهل العلم والأشراف والعدول ، وعرفه الوزير رجلا رجلا منهم ، والخليفة ملتفت إليه مصغ إلى أدعيتهم ، معط لكل واحد ما يصلح من النظر إليه ومن خطابه ، ثم صعد ابن صدقة في اليوم الذي يلي هذا اليوم في الزبزب إلى السلطان ، فتعرف خبره عن الخليفة ، وأفاض عليه الملابس التي كانت على الخليفة وقت جلوسه ، وانحدر الوزير إلى دار الوزير أبي طالب فخلع عليه ، وأطال مقامه عنده وخلوا في مهمات تجارياها .