وفي عيد الفطر: خطب الشريف أبو تمام ابن المهتدي بجامع القصر ، فأراد أن يدعو لبركيارق فدعا للسلطان محمد غلطا لا عن قصد ، فأتى أصحاب بركيارق إلى [ ص: 67 ] الديوان وقالوا: قد ولف علينا ، فعزل ثم أعيد بعد جمعتين .
وفي يوم الأضحى: بعث الخليفة للسلطان منبرا فنصب في دار المملكة ، وصلى هناك الشريف أبو الكرم ، وأنفذ إليه جملا للأضحية ، وحربة للنحر ، وكان السلطان محموما ، فلم يمكنه النحر بيده ، ولما وصل السلطان بركيارق لم يرد سيف الدولة إلى خدمته ، وكان متجنيا ، فراسله السلطان بركيارق ، فأبى وقال: لا أصحب السلطان ، مع كون الوزير الأعز معه ، فإن سلمه إلي فأنا وقال الوزير: قد نفذ إلي المخلص ، سيف الدولة قبل ذلك أنه قد اجتمع عليك للخزانة السلطانية ألف ألف دينار ، فإن أديتها وإلا فبلدك مقصود ، فلما قرأ الكتاب طرد الرسول ، وكان الرسول العميد ، وكانت كيفية طرده: أنه نزل في خيمة فأمر سيف الدولة بأن يقطعوا أطنابها ، فوقعت الخيمة عليه ، فخرج وركب في الحال ، وكتب إلى سيف الدولة من الطريق:
لا ضربت لي بالعراق خيمة ولا علت أناملي على قلم إن لم أقدها من بلاد فارس
شعث النواصي فوقها سود اللمم حتى ترى لي في الفرات وقعة
يشرب منها الماء ممزوجا بدم
واتفق أن رئيس جبلة هرب من الإفرنج ، ونزل الأنبار ، فسمع الأعز بذلك ، فقصده ، وأخذ منه ألف قطعة ومائتي قطعة من المصاغ وثلاثين ألف دينار غير الثياب والآلات .
ووصل السلطان محمد وأخوه سنجر إلى النهروان ، وكان بركيارق مريضا فعبروه إلى الجانب الغربي ، ودخل محمد وسنجر بغداد في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة ، وقطعت خطبة بركيارق وخطب لمحمد في الديوان ، ونصبت مطردان ، وقام [ ص: 68 ] الخطيب فخطب له ، ونزل محمد بدار المملكة ، وسنجر بدار سعد الدولة ، ووصل بركيارق إلى واسط ، ونهب عسكره ، فقصد إليه القاضي أبو علي الفارقي فوعظه ، وسأله منع العسكر من النهب ، ثم سار نحو الجبل .