فإن قلت : فهذا أمر غامض ولا ينفك قلب أحد عنه فما دواؤه فاعلم أن له دواء باطنا ودواء ظاهرا ، أما الباطن فالمعرفة بالحقائق التي ذكرناها في فهم الوجوب وأن ، بالقبول . الفقير هو المحسن إليه في تطهيره
وأما الظاهر فالأعمال التي يتعاطاها متقلد المنة فإن الأفعال التي تصدر عن الأخلاق تصبغ القلب بالأخلاق كما سيأتي أسراره في الشطر الأخير من الكتاب ولهذا كان بعضهم يضع الصدقة بين يدي الفقير ويتمثل قائما بين يديه حتى يسأله قبولها حتى يكون هو في صورة السائلين وهو يستشعر مع ذلك كراهية لو رده وكان بعضهم يبسط كفه ليأخذ الفقير من كفه وتكون ؛ يد الفقير هي العليا .
وكانت عائشة رضي الله عنهما إذا أرسلتا معروفا إلى فقير قالتا للرسول : احفظ ما يدعو به ، ثم كانتا تردان عليه مثل قوله وتقولان : هذا بذاك حتى تخلص لنا صدقتنا ، فكانوا لا يتوقعون الدعاء لأنه شبه المكافأة وكانوا يقابلون الدعاء بمثله وهكذا فعل وأم سلمة وابنه عمر بن الخطاب عبد الله رضي الله عنهما وهكذا كان أرباب القلوب يداوون قلوبهم ولا دواء من حيث الظاهر إلا هذه الأعمال الدالة على التذلل والتواضع وقبول المنة ، ومن حيث الباطن المعارف التي ذكرناها هذا من حيث العمل وذلك من حيث العلم .
ولا يعالج القلب إلا بمعجون العلم والعمل وهذه الشريطة من الزكوات تجري مجرى الخشوع من الصلاة وثبت ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : لا يتقبل الله صدقة منان وكقوله عز وجل : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وأما فتوى الفقيه بوقوعها موقعها وبراءة ذمته عنها ، دون هذا الشرط فحديث ، آخر وقد أشرنا إلى معناه في كتاب الصلاة .