فإن قلت : معقول إذ تفوت الصحة بفوت الفرض دون السنة ويتوجه العقاب به دونها فأما تمييز سنة عن سنة والكل مأمور به على سبيل الاستحباب ولا عقاب في ترك الكل ، والثواب موجود على الكل فما معناه فاعلم أن اشتراكهما في الثواب والعقاب والاستحباب لا يرفع تفاوتهما ولنكشف ذلك لك بمثال وهو أن الإنسان لا يكون إنسانا موجودا كاملا إلا بمعنى باطن وأعضاء ظاهرة فالمعنى الباطن هو الحياة والروح والظاهر أجسام أعضائه . تمييز السنن عن الفرائض
ثم بعض تلك الأعضاء ينعدم الإنسان بعدمها كالقلب والكبد والدماغ وكل عضو تفوت الحياة بفواته وبعضها لا تفوت بها الحياة ولكن يفوت بها مقاصد الحياة كالعين واليد والرجل واللسان وبعضها لا يفوت بها الحياة ولا مقاصدها ، ولكن يفوت بها الحسن كالحاجبين واللحية والأهداب وحسن اللون وبعضها لا يفوت بها أصل الجمال ، ولكن كماله كاستقواس الحاجبين وسواد شعر اللحية والأهداب وتناسب خلقة الأعضاء وامتزاج الحمرة بالبياض في اللون فهذه درجات متفاوتة فكذلك العبادة صورة صورها الشرع وتعبدنا باكتسابها فروحها وحياتها الباطنة الخشوع ، والنية وحضور القلب ، والإخلاص كما سيأتي ونحن الآن في أجزائها الظاهرة فالركوع والسجود والقيام ، وسائر الأركان تجري منها مجرى القلب والرأس والكبد ، إذ يفوت وجود الصلاة بفواتها .
والسنن التي ذكرناها من رفع اليدين ودعاء الاستفتاح والتشهد الأول تجري منها مجرى اليدين والعينين والرجلين ولا ، تفوت الصحة بفواتها كما لا تفوت الحياة بفوات هذه الأعضاء ، ولكن يصير الشخص بسبب فواتها مشوه الخلقة مذموما غير مرغوب فيه ، فكذلك من اقتصر على أقل ما يجزي من الصلاة كان كمن أهدى إلى ملك من الملوك عبدا حيا مقطوع الأطراف .
وأما الهيئات ، وهي ما وراء السنن ، فتجري مجرى أسباب الحسن من الحاجبين واللحية والأهداب ، وحسن اللون وأما وظائف الأذكار في تلك السنن ، فهي مكملات للحسن كاستقواس الحاجبين ، واستدارة اللحية وغيرهما .
، فالصلاة عندك قربة وتحفة تتقرب بها إلى حضرة ملك الملوك كوصيفة يهديها طالب القربة من السلاطين إليهم وهذه التحفة تعرض على الله عز وجل .
ثم ترد عليك يوم العرض الأكبر فإليك الخيرة في تحسين صورتها وتقبيحها .
فإن أحسنت فلنفسك وإن أسأت فعليها .
ولا ينبغي أن يكون حظك من ممارسة الفقه أن يتميز لك السنة عن الفرض فلا يعلق بفهمك من أوصاف السنة إلا أنه يجوز تركها ، فتتركها فإن ذلك يضاهي قول الطبيب : إن فقء العين لا يبطل وجود الإنسان ولكن يخرجه عن أن يصدق رجاء المتقرب في قبول السلطان إذا أخرجه في معرض الهدية فهكذا ينبغي أن تفهم مراتب السنن والهيئات والآداب فكل صلاة لم يتم الإنسان ركوعها وسجودها فهي الخصم الأول على صاحبها تقول ، ضيعك الله كما ضيعتني .
فطالع الأخبار التي أوردناها في كمال أركان الصلاة ليظهر لك وقعها .