فصل [في الزوجة تقوم بالنفقة بعد قدومه]
فإن قامت بالنفقة بعد غيبته، أحلفت أنه لم يخلفها ولا بعثها، وقضي لها بها. قال وتباع في ذلك عروضه، ويقضى لها بها من ودائعه وديونه. ابن القاسم:
وهذا يحسن إذا كان قيامها بعد انقضاء مدة سفره ورجوعه، أو قامت بقرب سفره، وكان يعرف منه قلة القيام بها، أو البغض والإساءة إليها، أو خرج مختفيا لأمر طلب به. وإن خرج على الوجه المعتاد ولا يعرف بلدد ولا [ ص: 2029 ] إساءة، وقامت بقرب سفره؛ كان الوقوف عن القضاء لها أحسن لأنها أتت بما لا يشبه. ولمالك في مختصر ما يؤيد ذلك، يأتي ذكره فيما بعد. ابن الجلاب
واختلف إذا لم يكن له مال حاضر.
فقال لا يفرض لها حتى يقدم الزوج، وإن كان في مغيبه موسرا فرض لها نفقة مثلها. وإن كان معدما فلا شيء لها. ابن القاسم:
وقال في كتاب محمد: تتداين عليه ويقضى لها. ولا يقضى للأبوين. وقال فيمن ابن القاسم الأندلس حاجا، فهلك أبوه عن مال: فلا ينفق على زوجته منه، لإمكان أن يكون الابن قد مات. أتى من
وأرى إن مات الأب بفور سفره، وقبل أن يبعد أن يستنفق منه.
واختلف إذا قامت بعد قدومه فقال: كنت خلفت عندك النفقة، أو بعثتها إليك؛ على ثلاثة أقوال: فقال في المدونة: إن قال: بعثت بالنفقة، كان القول قوله إن لم تكن استعدت في مغيبه. وقال في مختصر مالك ابن جلاب مثل ذلك، وقال أيضا: القول قوله إذا خلف أو بعث وإن استعدت. [ ص: 2030 ]
وقال في موطأ وإن قال: كنت خلفت، أو بعثت، كان القول قولها إن استعدت إلى السلطان، أو كانت تذكره، أو تشكو إلى جيرانها، أو تسلفت لذلك. وإن لم يسمع ذلك منها ولا ذكرته فلا شيء لها. ابن وهب:
وهذا أصوب؛ لأن ذلك لا يعلم إلا من قولها، فلا فرق بين قولها ذلك للسلطان ولا للجيران، ولأن كثيرا من النساء لا ترضى الرفع إلى السلطان، وتراه معرة وفسادا مع زوجها إن قدم. فإن لم يسمع ذلك منها، كان القول قوله، أنه خلف ذلك عندها إلا أن يقيم أكثر من المعتاد في ذلك السفر، فيكون القول قولها في الزائد، ولا أرى أن يقبل قوله، إن قال بعثت؛ لأنه معترف أنه لم يخلف نفقة، فعليه البيان مع من أرسل، ولا يكاد يخفى ذلك.
في العتبية إذا ولابن القاسم مثل ذلك إن استعدت قبل قولها، وإن لم تستعد كان القول قوله، وإن قال: كنت أبعث بالنفقة فيجري على الخلاف المتقدم. اختلفا عند قدومه في الإنفاق على الولد الصغار
واختلف إذا اعترف أنه لم ينفق، وقال: كنت معسرا في مغيبي.
فقال في كتاب ابن حبيب: إن خرج معدما، فالقول قوله، إنه بقي كذلك، وإن خرج مليا كانت البينة عليه أنه معدم، وإن أشكل أمره يوم خرج فعليه البينة أنه معدم في مغيبه. [ ص: 2031 ] ابن الماجشون
يريد: أن الأصل الملاء بنفقة الزوجة حتى يثبت فقره.
وقال في كتاب محمد: ابن القاسم كان القول قوله مع يمينه، وإن قدم موسرا لم يقبل قوله إلا ببينة. يريد: أنه كان معسرا وأيسر الآن. إن قدم معسرا وقال: ما زلت منذ غبت معسرا، وكذبته المرأة،
وإن كان مقيما فقالت: لم ينفق علي، كان القول قول الزوج مع يمينه إن كان موسرا، ولا يمين عليه إن كان معسرا؛ لأنه لا نفقة لها في حال عسره، وإن رجعت بالنفقتين جميعا. وإن كان معسرا؛ رجعت بما أنفقت عليه خاصة، وهذا قول أنفقت عليه وعليها وهو موسر؛ ابن القاسم.
قال الشيخ: وأرى ألا ترجع؛ لأن ذلك من الزوجات على وجه المكارمة، وقياسا على قوله إذا أسكنته دارها.
وإن كان القول قول الزوج مع يمينه إن أتى بما يشبه، وإلا فالقول قولها إن أتت بما يشبه، فإن أتيا بما لا يشبه، استؤنف الحكم. وإن اختلفا فيما يحكم لها به من النفقة بعد موت القاضي أو عزله، ولم يثبت ما حكم به، سقط الحكم الأول، واستؤنف النظر. تغير حال الزوج في اليسر أو تغير السعر برخص أو غلاء،
وإن فالقول قوله، إلا أن يكون مما لا يفرض لمثلها لشرفه. كساها ثوبا، فقالت: هدية. وقال: بل مما فرض علي،
وكذلك إن كان أدنى وكان لا يشبه أن يلبسه مثلها بانفراده دون الذي فرض لها، فالقول قولها مع يمينها، ويحلف الزوج، ويسترجع الأدنى. [ ص: 2032 ]