باب في الوصي أو الوارث يقضي بعض غرماء الميت
وإذا فإنه لا يخلو أن تكون تركته مائة دينار أو مائتين أو مائة وخمسين، فإن كانت مائة فقضاها الوصي أو الورثة، وهم غير عالمين بالآخر ولم يكن الميت موصوفا بالدين، كان مقال الغريم الطارئ مع صاحبه دون الوصي أو الورثة فيأخذ منه نصف ما أخذ، وإن كانوا عالمين بدين الطارئ أو كان موصوفا بالدين وقضوا مبادرة من غير استيناء كان للطارئ أن يرجع على صاحبه، وأن يبتدئ به؛ لأن عين حقه في يديه . كان على الميت مائتا دينار لغريمين فقضى الوصي أو الورثة أحدهما ثم طرأ الآخر
واختلف إذا أراد أن يبتدئ بمن كان قضاه دون القابض، وهو قادر على أخذ ذلك من صاحبه؛ لأنه حاضر موسر غير ملد، فجعل له مدة البداية بالغريم؛ لأن البداية بالوصي أو الورثة ضرر عليه من غير فائدة للقادم، وجعل مدة له أن يبتدئ بمن كان قضى؛ لأنه المتعدي، والأول أحسن إذا تساوى قبضه من القابض أو المتولي الدفع، أو كان تناول الحق من الغريم أقرب، وإنما كان له أن يبتدئ بالقابض خلاف الغاصب؛ لأن الغاصب واهب، ومتى غرم لم يكن له على الموهوب له شيء، والوارث غير واهب؛ لأنه دفع على [ ص: 5557 ] وجه القضاء فإن غرم رجع، فكأن البداية بغرم من لا رجوع له أولى من غرم من يرجع من غير فائدة للقابض الآن إلا أن يكون تناول ذلك من الوصي أو الوارث أقرب بالأمر البين؛ لأن معه ناضا، والذي عند الآخر مما يطول بيعه أو كان ملدا أو غاب فيبتدأ بالوارث أو الوصي قولا واحدا، وإن خلف الميت مائتي دينار فقبض الحاضر مائة وفضلت بأيدي الورثة مائة كان مقال الطالب مع الورثة؛ لأنه قد بقي من تركة الميت ما يوفي بحقه، ثم لا تخلو المائة التي أخذ الورثة من ثلاثة أوجه:
إما أن تكون قائمة بأيديهم، أو أكلوها، أو ضاعت ببينة أو بغير بينة، فإن كانت قائمة العين أخذها، وإن أكلوها ضمنوها، وإن ضاعت كان الجواب في ضياعها على ثلاثة أقسام:
فإن أمسكوها لأنفسهم، وهم عالمون بدين الطارئ، ضمنوها كانت لهم بينة على ضياعها أم لا، وإن لم يعملوا بدينه، ولم يعلم ضياعها إلا من قولهم لم يصدقوا وضمنوها، وإن كانت لهم بينة لم يضمنوها، وكانت مصيبتها من الميت.
وقال يضمنوها مع قيام البينة، والأول أصوب؛ لأن كل مستحق منه لا يضمن ما كان في يده إلا أن يكون تلفه من سببه عمدا. [ ص: 5558 ] أشهب:
واختلف إذا كان خطأ فإن لم يكن له في ذلك سبب عمدا ولا خطأ لم يضمنه إلا أن يكون متعديا في وضع يده عليه، وإن وقفوها للغريم لم يضمنوها.
واختلف هل تكون مصيبتها ممن وقفت له، فقال مالك المصيبة من الميت، وابن القاسم: في كتاب ولأشهب محمد: المصيبة ممن وقفت له، وذكر ذلك يأتي في كتاب القسم ، وإن مات الميت عن مائة وخمسين، فأخذ الحاضر مائة كان للطارئ أن يرجع على الورثة بخمسين، ويرجع على صاحبه بخمسة وعشرين، ثم يراعى فيها ما تقدم ذكره هل كان القضاء من الورثة، وهم عالمون أو غير عالمين، وهل الغريم حاضر أو غائب موسر أو معسر، ويراعى في الخمسين، هل هي قائمة أو فاتت، أكلوها أو ضاعت؟