باب إذا أسلم غنما أو نخلا أو دورا في طعام
قال إن أسلم غنما أو دارا أو نخلا في طعام فأكل من لبنها أو من تمرها وأخذ كراء الدور، فلا بأس بالإقالة بعد ذلك. ابن القاسم:
وهذا الذي قاله صحيح; لأن أخذ الغلة لا يمنع الإقالة إذا كان الأصل لم يتغير، فأخذ اللبن غلة، وسواء كانت في حين السلم ذات لبن أو حدث بعد.
وأما لأنه إن كان عليها في حين السلم فجزه كانت الإقالة على أقل من رأس المال، إلا أن يسلمه معها إذا كان قائما، أو يحط ما ينوبه من الطعام إذا كان فائتا، وإن حدث الصوف عنده فجزه لم تجز الإقالة; لأن الشاة تتغير في مثل تلك المدة. الصوف فلا تجوز الإقالة بعد جزه;
وإن جازت الإقالة والثمرة للمسلم إليه، ويؤخذ بجذاذها بالحضرة; لأن إطلاق الإقالة يقتضي رجوع الأصل على هيئة ما قبضت عليه، وليس ذلك بمنزلة بيعها ابتداء; لأن الثمر على أنه لا تعلق له فيها أفضل منه إذا كان على أن هناك حقا في الدخول والخروج والتصرف لأجل الثمار، فكان عليه رد الشيء على صفته، لا عيب فيها على ما كانت أسلمت عليه. أسلم نخلا لا تمر فيها فأقاله، وفيها تمر مأبور أو مزه،
وإن أسلمها وفيها ثمار غير مأبورة كان السلم فاسدا إلا أن يشترطها ربها على الجذاذ، وإن كانت مأبورة أو مزهية كان السلم جائزا إلا أن يستثنيها [ ص: 3051 ] مشتري الأصول، فيفسد عند لأنها وإن كانت في حين السلم علفا غير طعام فإنه يراعى ما تؤول إليه في المستقبل، وأجاز ذلك ابن مسلمة إذا لم تزه، قال: لأنها غير مقصودة، وأجازها ابن القاسم; في السليمانية، وإن طابت، قال: هو بمنزلة العبد يباع ويستثنى ماله، فلا بأس به نقدا أو إلى أجل; لأن ماله ملغى، قال: وكذلك يقول بعض أصحابنا، وكذلك السيف المحلى بالفضة تبع له. سحنون
وإذا كان السلم جائزا على قول ابن مسلمة ثم تقايلا بعد أن انتقلت الثمرة إلى الإبار، أو كانت مأبورة فأزهت- لم تجز الإقالة; لأنها على أحد ثلاثة أحوال: إما أن يتقايلا على أن يسلما الثمار مع الأصول، فهي إقالة على أكثر من رأس المال، أو على أن تبقى لمشتريها، فهي إقالة على أقل من رأس المال، أو على أن يبقى ما ينوبها من الثمن فتفسد; لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك في أصل العقد، فيكون بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.
ولو عقدا على الثمرة وهي مزهية على قول سحنون، ثم انتقلت إلى اليبس لم تجز الإقالة لهذه الوجوه التي تقدمت، وإذا كانت الإقالة على أن تبقى بما ينوبها كانت التهمة على بيع طعام بطعام ليس يدا بيد.
وإذا أسلم عبدا في طعام فاستدان العبد دينا، ثم أقال من ثمن الطعام، لم تجز الإقالة، إلا أن يقضي ذلك عنه سيده، أو يسقطه عنه صاحب الدين، فتجوز الإقالة، إلا أن يكون استدان ذلك بغير إذن مشتريه ، أو يكون تداين [ ص: 3052 ] في فساد، فلا تجوز الإقالة وإن أسقط عنه الدين.
وإذا أسلم دراهم في طعام، ثم تقايلا، وأخذ عن الدراهم دنانير- لم تجز الإقالة; لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك، فيكون صرفا مستأخرا.
وإن أخذ عن الدراهم عرضا، لم يجز ذلك عند مالك، خيفة أن تكون الإقالة في الباطن على ذلك العرض، ويجوز على أصل لأن التهمة حينئذ ليست على شيء كان في أصل العقد، وإنما ينبغي أن يكون بيع الطعام قبل قبضه. أشهب;
وقد أجاز أن يعطي الغريم لمن له السلم أقل من رأس المال ليشتري به طعاما لنفسه، ولم يتهمهما أن يكونا عملا على ذلك فيدخله بيع الطعام قبل قبضه.
وفرق بين الموضعين: فيمنع ما أدى إلى تهمة في أصل العقد; لأنها بيعة أجل، وبياعات الأجل مما يتهم الناس عليها، وإذا سلم العقد من التهمة لم يمنع فيما يكون بعد; لأنها من بياعات النقود، ولا يتهم فيها إلا أهل العينة. [ ص: 3053 ]