عن -رضي الله عنها- قالت: أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينحي مخاط عائشة أسامة؛ أي: يزيل ما كان يخرج من أنفه من الماء. والمخاط -بضم الميم- ما يسيل من الأنف، كذا في «اللمعات». قالت : دعني حتى أنا الذي أفعل. قال: « عائشة ! أحبيه؛ فإني أحبه عائشة » رواه يا . الترمذي
فيه أنه كان -رضي الله عنه- محبوبا إليه -صلى الله عليه وسلم-، وماذا يقال فيمن يكون حبيبا لحبيب الله؟!
قال في «الترجمة»: في معنى الحديث: إن كنت لا تحبيه بالطبع، فأحبيه لأجل أني أحبه، ومحبوب المحبوب محبوب. وفي الحقيقة، كمال المحبة أن يتجاوز الحب من المحبوب إلى متعلقيه، ويسري فيهم في كل شيء من أصحابه، ودياره.
ومن مذهبي حب الديار لأهلها وللناس فيما يعشقون مذاهب
انتهى.قلت: ومن هذا الوادي حب أهل الحديث، ومتبعي السنة؛ فإن المحبة معهم من محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنهم خاصته في الدنيا والدين. شعبة
أيا حاملي علم المدينة إنكم إلى القلب من أجل الحبيب حبيب
قال في «الترجمة»: إنعام النبي -صلى الله عليه وسلم- في القرآن بالنسبة إلى زيد، ونسبه هنا إلى أسامة؛ لأن الإنعام على الأب يستلزم الإنعام على الابن. فبهذا الاعتبار جعل النبي صلى الله عليه وسلم أسامة مصداق الآية، وأنزلها عليه.
قلت: الأصل يسري في الفرع.
قال: وكان إسلام بعد وقعة العباس «بدر»، وقيل: كان قد أسلم بمكة، ولكن يستره من المشركين، ولم يهاجر إلا بعد ذلك.
قال: هذا الحديث إن لم يلحظ فيه تعدد الوجوه، كان تقدم أسامة على -عليه السلام - في الأحبية مشكلا. فلا بد في هذا المقام من اعتبار الوجوه، وتعدد الحيثيات. انتهى. علي
وعن : عبد الله بن عمر أي: جعله أميرا عليهم، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن كنتم تطعنون في إمارته، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه أسامة بن زيد؛ ؛ أي: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث بعثا، وأمر عليهم في غزوة « زيد بن حارثة مؤتة » من قبل. وفي رواية للنسائي عن : لم يرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة زيدا في عسكر إلا أمره عليهم، هذا معناها، «وايم الله! إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب [ ص: 469 ] الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده» متفق عليه.
وفي رواية نحوه، وفي آخر: « لمسلم ». أوصيكم به، فإنه من صالحيكم، فاستوصوا به خيرا
قال في «الترجمة»: لما استشهد زيد في غزوة « مؤتة »، أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة ليذهب وينتقم لأبيه منهم، وكان في هذه السرية المهاجرون والأنصار، منهم أبو بكر . فتكلم في ذلك قوم، ومرض النبي -صلى الله عليه وسلم- في أثناء هذا الحال، وعرض له صداع في الرأس. فلما سمع مقولة الناس هذه، خرج وصعد على المنبر وخطب، وقال: «أيها الناس!. إلخ». وغلب عليه -صلى الله عليه وسلم- وجع الرأس، ولم يتم الأمر، وتوفي إلى رحمة الله تعالى، وجواره المقدس. وعمر
وفي الحديث دليل على جواز . انتهى. إمارة المولى، وتولية الصغار على الكبار، والمفضول على الفاضل لأجل المصلحة
قلت: ومن هنا أن الموالي الكثيرة صاروا ولاة وحكاما، وأولي أمر من جهة الخلفاء على البلاد، مع وجود كثير من أهل العلم والفضل فيها، ولفظ القرآن الكريم: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم يشمل جميع الأمراء، سواء كانوا أحرارا أو موالي، وعبيدا أو مماليك.
ويزيده إيضاحا حديث أم الحصين، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « إن أمر عليكم عبد مجدع، يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا له، وأطيعوا » رواه مسلم.
وفي حديث يرفعه، قال: « أنس » رواه اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة . البخاري
وفي الحديث دليل على أسامة وأبيه، وأنهما كانا أحب الناس إليه -صلى الله عليه وسلم- وخليقا للإمارة، والله أعلم. فضيلة
[ ص: 470 ] وفي فضائله أحاديث أخرى، منها: حديث أسامة عنه -صلى الله عليه وسلم-: كان يأخذه والحسن فيقول: « ». اللهم أحبهما، فإني أحبهما
وفي رواية: كان يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن بن علي على فخذه الأخرى، ثم يضمهما، ثم يقول: رواه اللهم ارحمهما؛ فإني أرحمهما . البخاري
وعن -رضي الله عنه-: أنه فرض عمر بن الخطاب في ثلاثة آلاف وخمسمائة، وفرض لأسامة لعبد الله بن عمر في ثلاثة آلاف، فقال لأبيه: لم فضلت أسامة فوالله ما سبقني إلى مشهد، قال: لأن علي؟ زيدا كان أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أبيك، وكان أسامة أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منك، فآثرت حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حبي. رواه . الحب - بالكسر، وقد يضم -: المحبوب. الترمذي
وانظر في عدل في هذا المقام؛ فإنه حقيقي لا تقديري، وأبصر إنصافه وحفظه لرتب أحباء النبي -صلى الله عليه وسلم- وإذا كان هذا معاملته مع عمر أسامة، وهو مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن مولاه، فما ظنك بمن هو في أعلى درجات القرب منه -صلى الله عليه وسلم- كفاطمة، وابنيها، وعلي؟! دمر الله على أعداء الإسلام، من الروافض وغيرهم، ممن يظن أن الشيخين غصبا حق أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو كما هنا عشاق قرابة الرسول ومواليه. فأين هذا من ذاك؟ وأن الله لا يهدي كيد الخائنين [يوسف: 52].