[ ص: 330 ] سورة الفتح
مدنية، نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- منصرفه من الحديبية، وهي بهذا في حكم المدني، وآيها: تسع وعشرون آية، وحروفها: ألفان وأربع مئة وثمانية وثلاثون حرفا، وكلمها: خمس مئة وثلاثون كلمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا فتحنا لك فتحا مبينا .
[1] إنا فتحنا الأكثرون على أنه صلح الحديبية، ونزلت السورة مؤانسة للمؤمنين، لأنهم كانوا استوحشوا من رد قريش لهم، ومن تلك المهادنة التي هادنهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فنزلت السورة مؤنسة لهم في صدهم عن البيت، ومذهبة ما كان في قلوبهم.
وملخص القصة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج من المدينة في ذي القعدة سنة ست من الهجرة معتمرا، لا يريد حربا، وساق الهدي، وأحرم بالعمرة، وسار حتى وصل إلى ثنية المزار مهبط الحديبية أسفل مكة، والحديبية بئر، [ ص: 331 ] ووقع من معجزاته -صلى الله عليه وسلم- آية الماء في بئر الحديبية; حيث وضع فيه سهمه، وثاب الماء حتى كفى الجيش.
وتأهبت قريش للقتال، وبعثوا رسولهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فبعث إليهم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يعلمهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائرا ومعظما لهذا البيت، فلما وصل إليهم، أمسكوه وحبسوه، وبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قتل، فدعا الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فبايع الناس على الصبر المتناهي في قتال العدو إلى أقصى الجهد، حتى قال عثمان وغيره: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الموت" ثم أتاه الخبر أن سلمة بن الأكوع لم يقتل، ثم وقع الصلح بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين عثمان قريش; فإنهم بعثوا في الصلح، فأجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم سهيل بن عمرو -رضي الله عنه- فقال: "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال علي بن أبي طالب لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اكتب: باسمك اللهم، ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه سهيل: محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال لعلي: امح رسول الله، قال: لا والله لا أمحوك أبدا، قال: فأرنيه، فأراه إياه، فمحاه النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، وأنه من أحب أن يدخل في عقد سهيل بن عمرو محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش [ ص: 332 ] وعهدهم دخل فيه" وأشهدوا في الكتاب على الصلح رجالا من المسلمين والمشركين، ثم نحر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هديه، وحلق رأسه، وفعل الناس كذلك، ثم عاد إلى المدينة، حتى إذا كان بين مكة والمدينة، نزلت سورة الفتح. دعا
ودخل في هذه السنة في الإسلام مثل من دخل فيه قبل ذلك وأكثر، فكان هذا الفتح الأعظم، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين، فسمعوا كلامهم، فتمكن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير، وكثر بهم سواد الإسلام، واستقبل فتح خيبر، وامتلأت أيدي المسلمين خيرا، واتفقت في ذلك الوقت ملحمة عظيمة بين الروم وفارس، ظهرت فيها الروم، فكانت من جملة الفتح على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسر بها والمؤمنون; لظهور أهل الكتاب على المجوس، وانحصاد الشوكة العظمى من الكفرة، والفتح: الظفر بالبلد عنوة أو صلحا.
فتحا مبينا أي: قضينا لك قضاء بينا.
* * *