وذلك مصرح بغزارة علومه، وشدة حفظه، وتبريزه في صناعته، وعلو محله في التمييز بين دقائق العلوم. لا يهتدي إليها إلا أفراد في الأعصار: سلك مسلم «رح» في صحيحه طرقا بالغة في الاحتياط والإتقان، والورع والمعرفة.
منها: اعتناؤه بالتمييز بين «حدثنا» ، «وأخبرنا» ، وتقييده ذلك في روايته. وكان من مذهبه الفرق بينهما. وأن «حدثنا» يطلق على المسموع من الشيخ. «وأخبرنا» لما قرئ عليه. وهو مذهب جمهور أهل العلم بالمشرق. ومذهب أكثر أصحاب الحديث. لا يحصيهم أحد. وذهب جمع إلى اتحاد إطلاقهما. وهو مذهب البخاري، وجماعة من المحدثين.
ومنها: اعتناؤه بضبط اختلاف الرواة كقوله: حدثنا فلان وفلان، «واللفظ لفلان» ، وكما إذا كان بينهما اختلاف في حرف من متن الحديث، أو صفة الراوي، أو نسبه، أو نحو ذلك، فإنه يبينه.
ومنها: احتياطه في تلخيص الطرق، وتحول الأسانيد، مع إيجاز العبارة، و كمال حسنها.
[ ص: 18 ] ومنها: حسن ترتيبه وترصيفه «الأحاديث» على نسق يقتضيه تحقيقه، وكمال معرفته بمواقع الخطاب، ودقائق العلم، وأصول القواعد، وخفيات علم الأسانيد، ومراتب الرواة. إلى غير ذلك مما ذكره النووي «رح» في شرحه لمسلم:
فالكون إما ناطق فمعظم حرماته أو قائل فمسبح