[ ص: 97 ] ( الفرق الخامس والسبعون ) لكن الفرق بينهما من وجوه : أحدها إن تدل على الزمان بالالتزام وعلى الشرط بالمطابقة وإذا على العكس في ذلك . الفرق بين قاعدة إن وقاعدة إذا وإن كان كلاهما للشرط
فإذا قلت إن جاء زيد فأكرمه فلفظك يدل على أن إن شرط والإكرام يتوقف على المجيء مطابقة ويدل بالالتزام على أن المجيء لا بد أن يكون في زمان وإذا قلت إذا جاء زيد فأكرمه فإذا تدل على الزمان بالمطابقة وعلى الشرط بالالتزام في بعض الصور فإنها قد يلزمها الشرط في بعض الصور نحو { إذا جاء نصر الله } إلى قوله { فسبح } وقد لا يلزمها وتكون ظرفا محضا نحو قوله تعالى { والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى } أي أقسم بالليل في حالة غشيانه وبالنهار في حال تجليه لأنهما أكمل أحوال الليل والنهار والقسم تعظيم والتعظيم يناسب أعظم الأحوال فإذا في مثل هذا ظرف محض في موضع نصب على الحال فصارت إذا الظرفية قد يلزمها الشرط فتدل عليه في بعض الصور وقد لا يلزمها في بعض الصور فلا تدل عليه التزاما وثانيها أن إن وإذا وإن كانا مطلقين في الدلالة على الزمان لا عموم فيهما غير أن إن لا توسعة فيها وإذا ظرف والظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف .
وبذلك يظهر أنه لا يلزمه طلاق في الأول لأنه لا طلاق بعد الموت ويلزمه في الثاني لأن الظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف فظرف الموت يحتمل دخول زمن من أزمنة الحياة فيه فيقع في ذلك الزمن الطلاق في زمن الحياة فيلزمه وفي ذلك خلاف بين العلماء مبني على ملاحظة هذا الوجه من الفروق ويدل على أن الظرف قد يكون أوسع من المظروف أن تقول ولد النبي عليه السلام عام الفيل وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ستين من عام الفيل وهو لم يولد في جملة عام [ ص: 98 ] الفيل بل في جزء من ذلك العام مع أنك جعلته بجملته ظرفا فتعين أن يكون هذا الظرف أوسع من مظروفه الذي هو الولادة وكذلك جعلت جملة سنة ستين ظرفا للموت مع أنه لم يقع في جميع السنة بل في جزء منها فيكون هذا الظرف أوسع من المظروف وكذلك قوله تعالى { الفرق بين قوله إن مت فأنت طالق وبين قوله إذا مت فأنت طالق واذكر ربك إذا نسيت } .
أورد بعض الفضلاء فيه سؤالا فقال الشرط وجوابه إذا جعل الشرط ظرفا لا بد وأن يكونا معا واقعين فيه نحو إذا جاء زيد فأكرمه فالمجيء والإكرام في زمن واحد وهو المعبر عنه بإذا وكذلك { إذا جاء نصر الله والفتح } إلى قوله { فسبح بحمد ربك } الآية كلاهما واقع في إذا المجيء والتسبيح ولذلك جوزوا أن يعمل في إذا كلا الفعلين واختاروا فعل الجواب للعمل لأنه ليس مضافا إليه بخلاف الشرط فإنه مضاف إلى مخفوض والمضاف إليه لا يعمل في المضاف وإذا جوزوا عمل كل واحد من الفعلين في هذا الظرف دل ذلك على وقوعهما فيه لأن من شرط العامل في الظرف أن يكون واقعا فيه حتى يصير مظروفه إذا تقرر هذا فالذكر ضد النسيان وقد دلت الآية [ ص: 99 ] على وقوعهما في إذا والضدان لا يجتمعان فكيف أمر بالذكر في زمن النسيان .
والجواب عنه من هذه القاعدة أن الظرف قد يكون أوسع من المظروف فيفضل من زمان إذا زمان ليس فيه نسيان يقع فيه الذكر فلا يجتمع الضدان وكذلك وقع الإشكال في قوله تعالى { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } فإعراب اليوم ظرف وإذ ظرف أيضا وهو بدل من اليوم والبدل هنا غير المبدل منه فيكون يوم القيامة هو عين زمن الظلم لكن زمن الظلم في الدنيا والدنيا ليست هي عين الآخرة ولا يوم القيامة فكيف صحت البدلية أورد هذا السؤال فقال الظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف وزمن الظلم يجوز أن يكون أوسع منه حتى يمتد ليوم القيامة فيطلق عليه ويقبل يوم القيامة الامتداد حتى يطلق على يوم الظلم فيتحدان فتحسن البدلية . ابن جني
وهذا الموضع في الاتساع أبعد من آية الذكر والنسيان بطول البعد وإفراطه وبعده عن أكثر الاستعمالات وبالجملة قد ظهر لك بهذه الآيات وهذا التقرير أن الظرف من حيث هو يقبل السعة أكثر من مظروفه فيكون أوسع منه وقد لا يسع أكثر منه نحو صمت رمضان وصمت يوم الخميس فإن الظرف في هذه الصور مساو للمظروف فتلخص الفرق أيضا بين إن وإذا من هذا الوجه وثالثها أن إن لا يعلق عليها إلا مشكوك فيه فلا تقول إن غربت الشمس فأت وإذا تقبل [ ص: 100 ] المعلوم والمشكوك فيه فتقول إذا غربت الشمس فأت وإذا دخل العبد الدار فهو حر فهذه فروق من جهة المعاني وأما الفرق من جهة الصناعة النحوية فإن إن حرف وإذا اسم وظرف وإن لا يخفض ما بعدها بل يكون ما بعدها في موضع جزم بالشرط وإذا ما بعدها في موضع خفض بالظرف .
وإذا عرض لها البناء لأن البناء في الأسماء عارض والبناء في إن أصل لأن الأصل في الحروف البناء فكلها مبنية وغير ذلك من الفروق النحوية التي ليس هذا موضعها