مسألة [ السنن عند ثلاثة أقسام ] قال الشافعي في " الرسالة " : لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن الشافعي : [ ص: 9 ] أحدها : ما أنزل الله فيه نص كتاب ، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل نص الكتاب . والثاني : ما أنزل الله فيه جملة كتاب ، فبين عن الله ما أراد ، وهذان الوجهان لم يختلفوا فيهما . والثالث : ما سن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه نص كتاب ، واختلفوا فيه ، فمنهم من قال : جعل الله [ له بما ] فرض من طاعته ، وسبق في علمه من توفيقه لرضاه ، أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب . ومنهم من قال : لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب . ومنهم من قال : بل جاءته رسالة الله فأثبت سنته بفرض الله . ومنهم من قال : ألقي في روعه كما سن . انتهى . سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى ثلاثة أقسام
وبالقول الثاني جزم أبو الحكم بن برجان ، وبنى عليه كتابه المسمى " بالإرشاد " ، وبين كثيرا من ذلك مفصلا ، وقال : كل حديث ففي القرآن الإشارة إليه تعريضا أو تصريحا ، وما قال منشئ فهو في القرآن أو فيه أصله قرب أو بعد ، فهمه من فهمه ، وعمه عنه من عمه . قال تعالى : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } ألا يسمع إلى قوله صلى الله عليه وسلم : { } . وقضى بالرجم ، وليس هو نصا في كتاب الله ، ولكن تعريض مجمل في قوله : { لأقضين بينكما بكتاب الله ويدرأ عنها [ ص: 10 ] العذاب } وأما تعيين الرجم من عموم ذلك العذاب ، وتفسير هذا المجمل فهو مبين بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيه ، وبأمره به ، وموجود في عموم قوله : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } . وقوله : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } وهكذا جميع قضائه وحكمه . وإنما يدرك الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه ، ويبلغ منه الراغب فيه حيث بلغه ربه تبارك وتعالى ; لأنه واهب النعم . قال : وقد نبهنا النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المطلب بمواضع كثيرة من خطابه . منها قوله عن الجنة : { } ، ثم قال : اقرءوا إن شئتم : { فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، بله ما أطلعكم الله عليه فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } وحديثه الآخر : { } ، ثم قرأ { اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، فمن كان من أهل السعادة فهو يعمل لها ، ومن كان من أهل الشقاوة فهو يعمل لها فأما من أعطى واتقى . وصدق بالحسنى . فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى . وكذب بالحسنى . فسنيسره للعسرى } . ومنها قوله : { } ، ثم قال : اقرءوا إن شئتم : { إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها وظل ممدود } فأعلم صلى الله عليه وسلم بمواضع حديثه من القرآن ، ونبههم على مصداق خطابه من الكتاب ; ليستخرج علماء أمته معاني حديثه منه ، طلبا لليقين وحرصا منه عليه السلام على أن يزيل عنهم الارتياب ، وأن يرتقوا في الأسباب .