( ويسمى ) هذا ( مركب الأصل ) سمي بذلك لاختلافهما في تركيب الحكم فالمستدل يركب العلة على الحكم ، والخصم بخلافه . قال ( وما اتفقا ) يعني الخصمين ( عليه ) من حكم أصل ، لكن ( لعلتين مختلفتين ) فهو قياس مركب القاضي عضد الدين : والظاهر أنه إنما سمي مركبا لإثباتهما الحكم كل بقياس ، فقد اجتمع قياساهما ثم إن الأول اتفقا فيه على الحكم ، وهو الأصل بالاصطلاح دون الوصف الذي يعلل به المستدل فسمي مركب الأصل " وقال ابن مفلح : " قيل : سمي مركبا لاختلافهما في علته وقيل : في تركيبه الحكم عليها [ ص: 487 ] في الأصل فعند المستدل : هي فرع له ، والمعترض بالعكس وسمي مركب الأصل للنظر في علة حكمه . انتهى . وإن كان الخصم موافقا على العلة ، ولكن يمنع وجودها في الأصل وذلك ما أشير إليه بقوله ( أو لعلة يمنع الخصم وجودها في الأصل و ) هذا ( يسمى مركب الوصف ) سمي بذلك لاختلافهما في نفس الوصف الجامع .
مثال الأول - وهو مركب الأصل - قول الحنبلي ، فيما إذا : المقتول عبد ، فلا يقتل به الحر ، قتل الحر عبدا فإن كالمكاتب إذا قتل وترك وفاء ووارثا مع المولى يقول هنا : إنه لا قصاص ، فيلحق العبد به هنا ، بجامع الرق ، فلا يحتاج الحنبلي فيه إلى إقامة دليل على عدم القصاص في هذه الصورة ; لموافقة خصمه ، فيقول الحنفي في منع ذلك : إن العلة إنما هي جهالة المستحق من السيد والورثة ، لا الرق ; لأن السيد والوارث ، وإن اجتمعا على طلب القصاص لا يزول الاشتباه ; لاختلاف الصحابة في مكاتب يموت عن وفاء قال بعضهم : يموت عبدا ، وتبطل الكتابة وقال بعضهم : تؤدى الكتابة من أكسابه ، ويحكم بعتقه في آخر جزء من حياته فقد اشتبه الولي مع هذا الاختلاف ، فامتنع القصاص . أبا حنيفة
فإن اعترض عليهم بأنكم لا بد أن تحكموا في هذه الحالة بأحد هذين القولين ، إما بموته عبدا أو حرا وأيا ما كان فالمستحق معلوم فيقول الحنفي : نحن نحكم بموته حرا ، بمعنى أنه يورث ، لا بمعنى وجوب القصاص على قاتله الحر ; لأن حكمنا بموته حرا ظني ; لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم ، والقصاص ينتفي بالشبهة . فهذه جهالة تصلح لدرء القصاص ، ولا يمتنع علمنا بمستحق الإرث .
ومثال الثاني - وهو مركب الوصف - أن يقال في مسألة تعليق الطلاق قبل النكاح : هذا تعليق للطلاق ، فلا يصح كما لو قال : زينب التي أتزوجها طالق . فيقول الحنفي : العلة التي هي كونه تعليقا مفقودة في الأصل ; فإن قوله : زينب التي أتزوجها طالق تنجيز لا تعليق فإن صح هذا : بطل إلحاق التعليق به لعدم الجامع ; وإلا منع حكم الأصل ، وهو عدم الوقوع في قوله : زينب التي أتزوجها طالق ; لأني إنما منعت الوقوع ; لأنه تنجيز ، فلو كان تعليقا لقلت به وحاصله : [ ص: 488 ] أن الخصم في هذه الصورة لا ينفك عن منع العلة في الأصل ، كما لو لم يكن التعليق ثابتا فيه ، أو منع حكم الأصل ، كما إذا كان ثابتا ، وعلى التقديرين : لا يتم القصاص وقوله ( ليس بحجة ) خبر لقوله ( وما اتفقا عليه ) .
ومعنى ذلك : أن القياس المسمى مركب الأصل ، ، ليس كل منهما بحجة عندنا وعند الأكثر أما الأول : فلأن الخصم لا ينفك عن منع العلة في الفرع أو منع الحكم في الأصل فلا يتم القياس وأما الثاني : فلأنه لا ينفك عن منع الأصل ، كما لو لم يكن التعليق ثابتا فيه ، أو منع حكم الأصل إذا كان ثابتا وعلى التقديرين : لا يتم القياس ( و ) قال والقياس المسمى مركب الوصف وجماعة كثيرة ( لو سلمها ) أي سلم الخصم العلة للمستدل أنها التي ذكرها المستدل ( فأثبت المستدل وجودها ) فيما اختلفوا فيه ( أو سلمه ) أي سلم وجودها ( الخصم ) حيث اختلفوا فيه ( انتهض الدليل ) عليه ، لتسليمه في الثاني ، وقيام الدليل عليه في الأول وذلك كما لو كان مجتهدا ، أو غلب على ظنه صحة القياس فإنه لا يكابر نفسه فيما أوجبه عليه . ابن الحاجب