أما الحد اللفظي : كالحنطة والقمح فقد تقدم الكلام أنه من المترادف . وأما غير اللفظي : كالإنسان والحيوان الناطق : فالصحيح أنه غير مترادف ، لأن الترادف من عوارض المفردات ; لأنها الموضوعة . والحد مركب ، ولأن دلالة الحد والمحدود على المعنى غير متحدة . فإن الحد يدل على أجزاء المحدود بالمطابقة ، والمحدود يدل عليها بالتضمن ، ولأن المحدود يدل عليها من حيث الجملة والوحدة المجتمعة ، والحد يدل عليها من حيث التفصيل بذكر المادة ، والصورة من غير وحدة . ( ولا ترادف في حد غير لفظي ومحدود )
( ولا ) ترادف أيضا في نحو ( شذر مذر ) على الصحيح ، ونحو شذر مذر : حسن بسن ، وعطشان نطشان ، وشغر بغر ، وشيطان ليطان ، وحار يار ، وجائع نائع ، وثقف لقف ، وحياك الله [ ص: 45 ] وبياك ، وأسوان أتوان : أي حزين . وتافه نافه ، وحل بل ، وحقير نقير ، وعين حدرة بدرة : أي عظيمة ، وغض بض ، وخراب يباب ، وسمج لمج ، وسبع لبع ، وشكس لكس ، ويوم عك أك : إذا كان حلوا ، وعفريت نفريت ، وكثير بثير ، وفسيح لقيح ، وثقة لقة ، وهو أشق أمق خنق للطويل ، وفعلت ذلك على رغمه ودغمه ; لأن الذي بعد الأول تابع لا يفيد شيئا غير التقوية ، وشرط الترادف أن يفيد أحد المترادفين لو انفرد ، لأنه مثل مرادفه في الرتبة ( ولا ) ترادف أيضا في ( تأكيد ) لأن اللفظ المؤكد به تابع للمؤكد ، فلا يرادفه لعدم استقلاله .
( وأفاد التابع التقوية ) لأنه لم يوضع عبثا ( وهو ) أي التابع ( على زنة متبوعه ) حتى لو وجد ما ليس على زنته لم يحكم بأنه من هذا الباب ( و ) اللفظ ( المؤكد ) لمتبوعه ( يقوي ) متبوعه ، لأن التأكيد هو التقوية باللفظ ( و ) يزيد على التقوية بكونه ( ينفي احتمال المجاز ) وأنكرت الملاحدة كون القرآن كلام الله تعالى بسبب وقوع التوكيد فيه ، لزعمهم القصور عن تأدية ما في النفس ، والله تعالى منزه عن ذلك ، وجهلوا كون الله تعالى وتقدس خاطب عباده على نهج لغة العرب ( ويقوم كل مترادف ) من مترادفين ( مقام الآخر في التركيب ) لأن المقصود من التركيب إنما هو المعنى دون اللفظ . فإذا صح المعنى مع أحد اللفظين وجب أن يصح مع الآخر ; لاتحاد معناهما .
ولا يرد على ذلك ما تعبد بلفظه ، كالتكبير ونحوه ; لأن المنع هناك لعارض شرعي . والبحث هنا من حيث اللغة . ( فائدة ) الفائدة في الأصل : الزيادة تحصل للإنسان ، اسم فاعل من قولك فادت له فائدة من باب باع ، وأفدته إفادة أعطيته ، وأفدت منه مالا أخذته .
وفائدة العلم والأدب من هذا ، وهو ( اسم يعين مسماه ) فقولنا " اسم " جنس مخرج لما سواه من الأفعال والحروف . وقولنا " يعين مسماه " فصل مخرج للنكرات . وقولنا ( مطلقا ) مخرج لما سوى العلم من المعارف . فإنه لا يعينه إلا بقرينة : إما لفظية ، مثل " أل " أو معنوية ، [ ص: 46 ] كالحضور والغيبة ، في أنت وهو . وهذا الحد ( العلم ) من أقسام الجزئي لا الكلي لابن مالك . وهو قسمان : قسم شخصي . وهو الموضوع للحقيقة بقيد الشخص الخارجي ، وهو المراد بقوله ( فإن كان التعيين خارجيا فعلم شخص ) كجعفر ، علم رجل ، وخرنق علم امرأة ، وأشير إلى القسم الثاني بقوله ( وإلا ) أي وإن لم يكن التعيين خارجيا ، بأن لم يوضع على شخص موجود في الخارج ، وإنما وضع للماهية بقيد الشخص الذهني ( ف ) علم ( جنس ) كأسامة ، فإنه علم على الأسد بقيد تشخص ماهيته في ذهن الواضع .
وكذا ثعالة على الثعلب ، فإن كلا منهما لم يوضع على واحد من جنسه بعينه . فتشمل الماهية كل أفراد الجنس ، ولا يختص ذلك بما لا يؤلف من الوحوش ، بل يكون أيضا لبعض المألوفات . كأبي المضاء لجنس الفرس ( و ) الاسم ( الموضوع للماهية من حيث هي ) أي لا بقيد تشخصها في الذهن ، ولا عدم تشخصها . كأسد فهو ( اسم جنس ) إذا تقرر هذا : فعلم الجنس يساوي علم الشخص في أحكامه اللفظية : من كونه لا يضاف ، ولا يدخل عليه حرف التعريف ، ولا ينعت بنكرة ، ولا يقبح مجيئه مبتدأ ، ولا انتصاب النكرة بعده على الحال ، ولا يصرف منه ما فيه سبب زائد على العلمية . ويفارقه من جهة المعنى لعمومه ، إذ هو خاص شائع في حالة واحدة . فخصوصه باعتبار تعيينه الحقيقة في الذهن ، وشياعه باعتبار أن لكل شخص من أشخاص نوعه قسطا من تلك الحقيقة في الخارج .
وأما : فقال بعضهم : إن اسم الجنس الذي هو أسد : موضوع لفرد من أفراد النوع بعينه ، فالتعدد فيه من أصل الوضع ، وإن علم الجنس الذي هو أسامة موضوع للحقيقة المتحدة في الذهن . فإذا أطلقت أسدا على واحد أطلقته على أصل وضعه ، وإذا أطلقت أسامة على الواحد فإنما أردت الحقيقة ، ويلزم من ذلك التعدد في الخارج . فالتعدد فيه ضمنا لا قصدا بالوضع ، ويتساويان في صدقهما على صورة الأسد ، إلا أن علم الجنس وضع لها من حيث خصوصها باستحضارها في الذهن ، واسم الجنس وضع لها من حيث عمومها . الفرق بين علم الجنس واسم الجنس