[ ص: 253 ] ذكر وصف حجة المصطفى صلى الله عليه وسلم
الذي أمرنا الله جل وعلا باتباعه واتباع ما جاء به
3944 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم قال : حدثنا ، وأخبرنا هشام بن عمار قال : حدثنا الحسن بن سفيان ، قالا : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد قال : أبيه ، فسأل عن القوم حتى انتهى إلي ، فقلت : أنا جابر بن عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فأهوى بيده إلى رأسي ، فنزع زري الأعلى ، ثم نزع زري الأسفل ، ثم وضع كفه بين ثديي ، وأنا غلام يومئذ شاب ، فقال : مرحبا يا ابن أخي ، سل عما شئت ، فسألته وهو أعمى ، وجاء وقت الصلاة ، فقام في نساجة ملتحف بها ، كلما وضعها على منكبيه ، رجع طرفاها إليه من صغرها ، ورداؤه إلى جنبه على المشجب ، فصلى بنا ، فقلت : أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بيده وعقد تسعا ، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج ، فقدم المدينة بشر كثير ، [ ص: 254 ] كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعمل مثل عمله ، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع ؟ فقال : اغتسلي ، واستثفري بثوب ، وأحرمي .
فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء ، نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشي ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء عملنا به ، فأهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيئا ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته .
قال : لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ، حتى أتينا جابر البيت معه ، استلم الركن فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم ، فقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ، فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبي يقول : - ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم - إنه كان يقرأ في الركعتين : قل هو الله أحد [ ص: 255 ] و قل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا ، فرقي عليه ، حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، ووحد الله ، وكبره ، وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، نجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه إلى بطن الوادي ، سعى ، حتى إذا صعد مشى ، حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، حتى إذا كان آخر طواف على المروة قال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة .
فقام سراقة بن جعشم ، فقال : يا رسول الله ، ألعامنا هذا أم للأبد ؟ قال : فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى ، وقال : دخلت العمرة في الحج " مرتين " ، لا بل لأبد الأبد ، لا بل لأبد الأبد .
[ ص: 256 ] وقدم من علي اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجد فاطمة ممن قد حل ، ولبست ثياب صبغ ، واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : أبي أمرني بهذا ، قال : فكان يقول علي بالعراق : فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة للذي صنعت ، وأخبرته أني أنكرت ذلك عليها ، فقال صلى الله عليه وسلم : صدقت ، ما قلت حين فرضت الحج ؟ قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك ، قال : فإن معي الهدي ، فلا تحل ، قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به من علي اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة ، قال : فحل الناس كلهم ، وقصروا ، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي .
فلما كان يوم التروية ، توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج ، ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له ، فأتى بطن الوادي يخطب الناس ، ثم قال صلى الله عليه وسلم :
إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم هذا ، [ ص: 257 ] في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، وكان مسترضعا في بني ليث ، فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربا ؛ فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله . وأنتم تسألون عني ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أن قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال صلى الله عليه وسلم بأصبعه السبابة ، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد - ثلاث مرات - العباس بن عبد المطلب
ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف ، فجعل باطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، فاستقبل القبلة ، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلا ، وغاب القرص ، أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة خلفه ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق [ ص: 258 ] للقصواء الزمام ، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى : أيها الناس ، السكينة السكينة ، كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا .
ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر ، حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، فدعاه وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، دفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما ، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت ظعن يجرين ، فطفق الفضل بن العباس ، الفضل ينظر إليهن ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل ، فحول الفضل وجهه من الشق الآخر ، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الشق الآخر على وجه الفضل ، فصرف وجهه من الشق الآخر حتى أتى محسرا ، فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج إلى الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر ، فنحر ثلاثا وستين بيده ، ثم أعطى ، رضوان الله عليه ، فنحر ما غبر منها ، وأشركه في هديه ، وأمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر ، فطبخت ، فأكلا من لحمها ، وشربا من مرقها . عليا
[ ص: 259 ] ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأفاض إلى البيت ، فصلى بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب يستقون على زمزم ، فقال : انزعوا يا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم ، لنزعت معكم ، فناولوه دلوا ، فشرب منه . دخلنا على
لفظ الخبر لأبي بكر بن أبي شيبة
قال رضي الله عنه : هذا النوع لو استقصيناه لدخل فيه ثلث السنن ، وفيما أومأنا إليه من الأشياء التي فرضت على المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى أمته جميعا من الوضوء والتيمم والاغتسال من الجنابة والصلاة والحج ، وما أشبه هذه الأشياء ما فيها غنية عن الإمعان والإكثار فيها لمن وفقه الله للصواب ، وهداه لسلوك الرشاد . أبو حاتم