126 - قوله: (ص): "هو نحو حديث مشهور عن جعل عن سالم ". نافع
أقول: هذا تعريف بالمثال.
وحقيقته: إبدال من يعرف برواية بغيره.
فيدخل فيه إبدال راو أو أكثر من راو حتى الإسناد كله.
وقد يقع ذلك عمدا إما بقصد الإغراب أو لقصد الامتحان.
وقد يقع وهما : فأقسامه ثلاثة
وهي كلها في الإسناد وقد يقع نظيرها في المتن، وقد يقع فيهما جميعا.
فممن كان يفعل ذلك عمدا لقصد الإغراب على سبيل الكذب: حماد بن عمرو النصيبي وهو من المذكورين بالوضع.
[ ص: 865 ] من ذلك روايته عن ، عن الأعمش ، عن أبي صالح - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبي هريرة "إذا لقيتم المشركين في طريق، فلا تبدؤوهم بالسلام ..." الحديث فإن هذا الحديث قال : لا يعرف من حديث العقيلي وإنما يعرف من رواية الأعمش عن أبيه عن سهيل بن أبي صالح رضي الله عنه. أبي هريرة
قلت: كذلك أخرجه وغيره. مسلم
فجعل حماد بن عمرو الأعمش موضع سهيل ليغرب به.
هذا في الإسناد.
وأما في المتن فكمن يعمد إلى نسخة مشهورة بإسناد واحد فيزيد فيها متنا أو متونا ليست فيها.
كنسخة عن معمر عن همام بن منبه - رضي الله تعالى عنه - (وقد زاد فيها). أبي هريرة
[ ص: 866 ] وكنسخة ، عن مالك عن نافع رضي الله تعالى عنهما زاد فيها جماعة عدة أحاديث ليس منها. ابن عمر
منها القوي والسقيم، وقد ذكر جلها في غرائب الدارقطني . مالك
وممن كان يفعل ذلك لقصد الامتحان كان يفعله كثيرا لقصد اختبار حفظ الراوي، فإن أطاعه على القلب عرف أنه غير حافظ وإن خالفه عرف أنه ضابط. شعبة
وقد أنكر بعضهم على ذلك لما يترتب عليه من تغليط من يمتحنه. فقد يستمر على روايته لظنه أنه صواب، وقد يسمعه من لا خبرة له فيرويه ظنا منه أنه صواب، لكن مصلحته أكثر من مفسدته. شعبة
[اختبار ابن معين لأبي نعيم : ]
وممن فعل ذلك مع يحيى بن معين بحضرة أبي نعيم الفضل بن دكين . أحمد بن حنبل
وروى من طريق الخطيب أحمد بن منصور الرمادي قال: خرجت مع أحمد بن حنبل إلى ويحيى بن معين ، فلما عدنا إلى عبد الرزاق الكوفة ، قال يحيى بن معين : أريد أن أمتحن لأحمد بن حنبل فنهاه أبا نعيم ، فلم ينته، فأخذ ورقة فكتب فيها ثلاثين حديثا من حديث أحمد ، [ ص: 867 ] وجعل على (رأس كل) عشرة أحاديث حديثا ليس من حديثه، ثم أتينا أبي نعيم فخرج إلينا فجلس على دكان حذاء بابه وأقعد أبا نعيم عن يمينه أحمد ويحيى عن يساره وجلست أسفل، فقرأ عليه يحيى عشرة أحاديث وهو ساكت ثم الحادي عشر، فقال : ليس هذا من حديثي فاضرب عليه، ثم قرأ العشرة الثانية وقرأ الحديث الثاني، فقال: هذا أيضا ليس من حديثي فاضرب عليه، ثم قرأ العشرة الثالثة وقرأ الحديث الثالث، فتغير أبو نعيم ، ثم قبض على ذراع أبو نعيم فقال: أما هذا فورعه يمنعه عن هذا. أحمد
وأما هذا وأومأ إلي فأصغر من أن يعمل هذا ولكن هذا من عملك يا فاعل ثم أخرج رجله فرفس وقلبه عن الدكان وقام فدخل داره، فقال له يحيى بن معين : ألم أنهك؟ وأقل لك أنه ثبت؟ أحمد
فقال له يحيى : هذه الرفسة أحب إلي من سفري.
ومن ذلك ما فعله أصحاب الحديث مع وقد أشار إليه المصنف مختصرا فأحببت إيراد القصة على وجهها، وقد رويناها في "مشايخ البخاري " البخاري لابن عدي وفي التاريخ في غير موضع أخبرني بها للخطيب الحافظ أبو الفضل بن الحسين رحمه الله قال: أخبرني محمد بن محمد قال: أنا أبو الفرج الحراني أنا ح وأخبرني أبو الفرج ابن الجوزي الحافظ أبو الفضل [ ص: 868 ] - أيضا - قال: أخبرني محمد بن إبراهيم أنا يوسف بن يعقوب الشيباني كتابة واللفظ له.
ح وقرأت على أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج المزي قال: أنا الشناني قال: أنا قال: أنا أبو اليمن الكندي أبو منصور القراد قال: أنا ح وأنا الحافظ أبو بكر الخطيب غالب بن محمد النيسابوري بمكة إجازة عن أبي أحمد الطبري قال: إن علي بن الحسين كتب إليهم أنا الفضل بن سهل إجازة عن حدثني الخطيب محمد بن أبي الحسن الساحلي أنا قال سمعت أحمد بن الحسن الرازي يقول: سمعت عدة مشايخ يحكون أن أبا أحمد ابن عدي قدم محمد بن إسماعيل البخاري بغداد فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوها إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة [ ص: 869 ] أحاديث وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على ، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من البخاري أهل خرسان وغيرهم ومن البغداديين ، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال : لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته البخاري يقول لا أعرفه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: فهم الرجل. والبخاري
ومن منهم غير ذلك يقضي على بالعجز والتقصير وقلة الحفظ، ثم انتدب إليه رجل آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري : لا أعرفه. فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، (فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه) فلم يزل يلقي عليه واحدا بعد واحد فلما فرغ من عشرته البخاري يقول: لا أعرفه ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه. والبخاري
فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا وحديثك الثاني فهو كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك رد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. البخاري
سمعت شيخنا غير مرة يقول: ما العجب من معرفة بالخطأ من الصواب في الأحاديث لاتساع معرفته. البخاري
[ ص: 870 ] وإنما يتعجب منه في هذا لكونه حفظ موالاة الأحاديث على الخطأ من مرة واحدة.
قلت: وممن كان معروفا بمعرفة ذلك ، قال يحيى بن معين العجلي : ما خلق الله أحدا كان أعرف بالحديث من يحيى أحد كان يؤتى بالأحاديث قد خلطت وقلبت فيقول: هذا كذا وهذا كذا كما قال. وممن امتحنه تلاميذه الحافظ الجليل أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي .
فقرأت في كتاب الصلة لمسلمة بن قاسم الأندلسي قال:
[ ص: 871 ] ووقع ذلك روينا في المحدث الفاصل لمحمد بن عجلان قال حدثنا لأبي محمد الرامهرمزي عبد الله بن القاسم بن نصر : ثنا خلف بن سالم حدثني قال: قدمت يحيى بن سعيد القطان الكوفة وبها وبها ممن يطلب الحديث ابن عجلان مليح بن الجراح أخو وكيع وحفص بن غياث ويوسف بن خالد السمتي ، فقلنا نأتي ، فقال ابن عجلان يوسف السمتي : هل نقلب عليه حديثه حتى ننظر فهمه قال: ففعلوا فما كان عن سعيد جعلوه عن أبيه وما كان عن أبيه جعلوه عن سعيد قال يحيى فقلت لهم: لا أستحل هذا، فدخلوا عليه فأعطوه الجزء فمر فيه فلما كان عند آخر الكتاب انتبه الشيخ، فقال: أعد فعرض عليه، فقال: ما كان عن أبي فهو عن سعيد وما كان عن سعيد فهو عن أبي ثم أقبل على يوسف فقال: إن كنت أردت شيني وعيبي، فسلبك الله الإسلام وقال لحفص ابتلاك الله في دينك ودنياك.
[ ص: 872 ] وقال لمليح : لا نفعك الله بعلمك.
قال يحيى : فمات مليح قبل أن ينتفع بعلمه، وابتلي حفص في بدنه بالفالج وفي دينه بالقضاء ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة.
وأما من وقع منه القلب على سبيل الوهم فجماعة يوجد بيان ما وقع لهم من ذلك في الكتب المصنفة في العلل.
وقد ذكر منه حديث ابن الصلاح ، عن جرير بن حازم ثابت عن - رضي الله تعالى عنه - وهو من مقلوب الإسناد. أنس
ووقع هذا - أيضا - عن لجرير بن حازم ثابت عن - رضي الله عنه - حديث انقلب عليه متنه وهو ما ذكره أنس من طريقه عن الترمذي ثابت [ ص: 873 ] عن - رضي الله عنه - قال: أنس . قال "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكلم بالحاجة إذا نزل عن المنبر : لا نعرفه إلا من حديث الترمذي وسألت جرير محمدا عنه فقال: وهم في هذا. جرير
والصحيح ما روي عن ثابت عن - رضي الله عنه - قال: أنس
. "أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - فما \زال يكلمه حتى نعس بعض القوم"
قال محمد : والحديث هو هذا ربما يهم في الشيء. وجرير بن حازم
تنبيه:
حديث الذي ذكره المصنف أخرجه حجاج بن أبي عثمان مسلم من طريقه، وما حكاه عن والنسائي إسحاق بن عيسى رواه في الكفاية بسنده إليه، ورواه أيضا الخطيب في كتاب المراسيل. أبو داود
عن أحمد بن صالح عن عن يحيى بن حسان به. حماد بن زيد