109 - قوله: (ص): هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منه" . "فالحديث المعلل
قلت: وهذا تحرير لكلام في "علوم الحديث" فإنه قال: الحاكم
"وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فإن حديث المجروح ساقط واه وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فتخفى عليهم علته، والحجة فيه عندنا العلم والفهم والمعرفة".
[ :] متى يسمى الحديث معلولا
فعلى هذا لا يسمى الحديث المنقطع مثلا معلولا، (ولا الحديث الذي راويه مجهول أو مضعف معلولا وإنما يسمى معلولا" إذا آل أمره إلى شيء من ذلك مع كونه ظاهر السلامة من ذلك.
وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود.
وإذا تقرر هذا فالسبيل إلى معرفة سلامة الحديث من العلة كما نقله المصنف عن أن يجمع طرقه، فإن اتفقت رواته واستووا ظهرت سلامته. الخطيب
[ ص: 711 ] وإن اختلفوا أمكن ظهور العلة، فمدار التعليل في الحقيقة على بيان الاختلاف وسأوضحه في النوع الذي بعد هذا [إن شاء الله تعالى] وهذا الفن أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله تعالى فهما غايصا واطلاعا حاويا وإدراكا لمراتب الرواة ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن وحذاقهم وإليهم المرجع في ذلك لما جعل الله فيهم من معرفة ذلك، والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك.
وقد تقصر عبارة المعلل منهم، فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح [إحدى] الروايتين على الأخرى [كما] في نقد الصيرفي سواء، فمتى وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم - بتعليله - فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه.
وهذا مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: "وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث" . الشافعي
وهذا حيث لا يوجد مخالف منهم لذلك المعلل، وحيث يصرح بإثبات العلة فأما إن وجد غيره صححه فينبغي حينئذ توجه النظر إلى الترجيح بين كلاميهما.
وكذلك إذا أشار المعلل إلى العلة إشارة ولم يتبين منه ترجيح لإحدى الروايتين، فإن ذلك يحتاج إلى الترجيح - والله أعلم -.
[ ص: 712 ] قال الحافظ العلائي بعد أن ذكر ما هذا ملخصه: "فأما إذا كان رجال الإسنادين متكافئين في الحفظ أو العدد أو كان من أسنده أو رفعه دون من أرسله أو وقفه في شيء من ذلك مع أن كلهم ثقات محتج بهم فههنا مجال النظر واختلاف أئمة الحديث والفقهاء.
[مسلك أهل الحديث عند تكافؤ المختلفين الرجوع إلى الترجيح:]
فالذي يسلكه كثير من أهل الحديث بل غالبهم جعل ذلك علة مانعة من الحكم بصحة الحديث مطلقا، فيرجعون إلى الترجيح لإحدى الروايتين على الأخرى، فمتى اعتضدت إحدى الطريقين بشيء من وجوه الترجيح حكموا لها وإلا توقفوا عن الحديث وعللوه بذلك، ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص، وإنما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة بل يختلف نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده - والله أعلم.
[اعتبار أئمة الفقه والأصول إسناد الحديث ورفعه من باب الزيادة:]
قال: وأما أئمة الفقه والأصول، فإنهم جعلوا إسناد الحديث ورفعه كالزيادة في متنه (يعني كما تقدم تفصيله عنهم).
ويلزم على ذلك قبول الحديث الشاذ كما تقدم .
ومن - ما ذكره المواضع الخفية في الأحاديث المعللة قال: سألت أبي عن حديث رواه ابن أبي حاتم عن حماد بن سلمة عكرمة بن خالد عن - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ابن عمر
"من باع عبدا وله مال ..." الحديث.
[ ص: 713 ] فقال: "قد كنت أستحسن هذا الحديث من ذي الطريق حتى رأيت من حديث بعض الثقات عن عكرمة بن خالد عن عن الزهري - رضي الله عنهما - فعاد الحديث إلى ابن عمر ، الزهري إنما رواه عن والزهري عن أبيه - رضي الله تعالى عنهم -. سالم بن عبد الله بن عمر
[ ص: 714 ] وهو معلول (يعني لأن نافعا عن - رضي الله عنهما - ) فجعل مسألة بيع العبد عن ابن عمر - رضي الله عنه - ومسألة بيع النخل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . عمر
قال : النسائي أجل من سالم ولكن القول في هذا قول نافع وكذا قال نافع علي بن المديني . والدارقطني
قال العلائي : "وبهذه النكتة يتبين أن الذين لا اطلاع لهم على طرقه وخفاياها". التعليل أمر خفي لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث دون الفقهاء
قلت: وسبب الخفاء في هذا المثال أن عكرمة بن خالد أكبر من وهو معروف بالرواية عن الزهري - رضي الله عنهما - فلما وجد الحديث من رواية ابن عمر عنه كان ظاهره الصحة وكان يعتضد بها ما رواه حماد بن سلمة عن الزهري عن أبيه ويرجح على رواية سالم خلافا لما قال نافع ابن المديني وغيرهما. والنسائي
لكن لما فتشت الطرق تبين أن عكرمة سمعه ممن هو أصغر منه وهو ، الزهري لم يسمعه من والزهري - رضي الله عنهما - إنما سمعه من ابن عمر فوضح أن رواية سالم مدلسة أو مسواة، ورجع هذا الإسناد الذي كان يمكن الاعتضاد به إلى الإسناد الأول الذي حكم عليه بالوهم وكان سبب حكمهم عليه بالوهم كون حماد بن سلمة أو من دونه سلك الجادة; لأن العادة والغالب أن الإسناد إذا انتهى إلى الصحابي - رضي الله تعالى عنه - قيل بعده: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما جاء هنا بعد الصحابي ذكر صحابي آخر والحديث من قوله - كان الظن غالبا على أن من ضبطه هكذا أتقن ضبطا - والله أعلم -. سالم
[ ص: 715 ] قال العلائي : وهذا كله إذا كان الإسناد واحدا من حيث المخرج غير مختلف في الحالات، أما إذا اختلف في الوصل والإرسال كأن يروي بعضهم عن عن الزهري عن سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - حديثا مرفوعا فيرويه بعضهم عن أبي هريرة ، عن الزهري أبي سلمة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا.
أو يرويه بعضهم عن ، عن الأعمش ، عن أبي صالح - رضي الله عنه - حديثا مرفوعا، فيرويه بعضهم، عن أبي هريرة ، عن الأعمش عن أبي صالح - رضي الله عنه - موقوفا. أبي سعيد
ففي مثل هذه الصيغة يضعف تعليل أحدهما بالآخر; لكون كل منهما إسنادا برأسه، ولقوة احتمال كونهما إسنادين عند أو عند الزهري كل واحد منهما على وجه. الأعمش
قلت: وإنما يقوى هذا إذا أتى بهما الراوي جميعا في وقت واحد وحينئذ ينتفي التعليل، وشرط هذا كله التساوي في الحفظ أو العدد.
فأما إذا كان راوي الوصل أو الرفع مرجوحا، فلا، [كما] تقرر غير مرة - والله أعلم - .