جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه .
( قال ) رحمه الله تعالى جماع الشافعي كان بيمين ، أو غيرها في قوله تعالى { الوفاء بالنذر وبالعهد يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } ، وفي قوله تعالى { يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا } ، وقد ذكر الله عز وجل بالأيمان في غير آية من كتابه ، منها قوله عز وجل { الوفاء بالعقود وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } قرأ الربيع الآية وقوله { يوفون بعهد الله ، ولا ينقضون الميثاق } مع ما ذكر به الوفاء بالعهد .
( قال ) رحمه الله تعالى : وهذا من سعة لسان الشافعي العرب الذي [ ص: 195 ] خوطبت به وظاهره عام على كل عقد ويشبه والله تعالى أعلم أن يكون أراد الله عز وجل أن يوفي بكل عقد نذر إذا كانت في العقد لله طاعة ، ولم يكن فيما أمر بالوفاء منها معصية .
فإن قال : قائل ما دل على ما وصفت والأمر فيه كله مطلق ؟ ومن أين كان لأحد أن ينقض عهدا بكل حال ؟ قيل : الكتاب ثم السنة { قريشا بالحديبية على أن يرد من جاء منهم فأنزل الله تبارك وتعالى في امرأة جاءته منهم مسلمة { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن } } ففرض الله عز وجل عليهم أن لا ترد النساء ، وقد أعطوهم رد من جاء منهم وهن منهم فحبسهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل { صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من المشركين فأنزل الله عز وجل عليه { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } } الآية . وأنزل { كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا } الآية . فإن قال : قائل كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية ومن صالح من المشركين ؟ قيل : كان صلحه لهم طاعة لله ، إما عن أمر الله عز وجل بما صنع نصا ، وإما أن يكون الله تبارك وتعالى جعل له أن يعقد لمن رأى بما رأى ثم أنزل قضاءه عليه فصاروا إلى قضاء الله جل ثناؤه ونسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله بفعله بأمر الله وكل كان لله طاعة في وقته .
فإن قال قائل : وهل لأحد أن يعقد عقدا منسوخا ثم يفسخه ؟ قيل له أن يبتدئ عقدا منسوخا ، وإن كان ابتدأه فعليه أن ينقضه كما ليس له أن بيت المقدس ثم يصلي إلى الكعبة ; لأن قبلة يصلي إلى بيت المقدس قد نسخت .
ومن بيت المقدس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نسخها فهو مطيع لله عز وجل كالطاعة له حين صلى إلى صلى إلى الكعبة . وذلك أن قبلة بيت المقدس كانت طاعة لله قبل أن تنسخ ومعصية بعدما نسخت ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم تناهت فرائض الله عز وجل فلا يزاد فيها ، ولا ينقص منها فمن عمل منها بمنسوخ بعد علمه به فهو عاص وعليه أن يرجع عن المعصية ، وهذا فرق بين نبي الله وبين من بعده من الولاة في الناسخ والمنسوخ ، وفي كل ما وصفت دلالة على أن ليس للإمام أن يعقد عقدا غير مباح له وعلى أن عليه إذا عقده أن يفسخه ثم تكون طاعة الله في نقضه ، فإن قيل : فما يشبه هذا ؟ قيل له : هذا مثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } { من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه الأنصار وأخذوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت الأنصارية على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فنذرت إن نجاها الله عز وجل عليها أن تنحرها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا نذر في معصية ، ولا فيما لا يملك ابن آدم } . وأسر المشركون امرأة من
( قال ) رحمه الله تعالى يعني والله تعالى أعلم لا نذر يوفى به فلما دلت السنة على إبطال الشافعي من طاعة الله عز وجل دل على إبطاله النذر فيما يخالف المباح من طاعة الله جل وعز ، ألا ترى أن نحر الناقة لم يكن معصية لو كانت لها فلما كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنذرت نحرها كان نحرها معصية بغير إذن مالكها فبطل عنها عقد النذر ، وقال الله تبارك وتعالى في الأيمان { العقود في خلاف ما يباح لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } وقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها } فأعلم أن طاعة الله عز وجل أن لا يفي باليمين إذا رأى غيرها خيرا منها وأن يكفر بما فرض الله عز وجل من الكفارة وكل هذا يدل على أنه إنما يوفى بكل عقد نذر وعهد لمسلم ، أو مشرك كان مباحا لا معصية لله عز وجل فيه فأما ما فيه لله معصية فطاعة الله تبارك وتعالى في نقضه إذا مضى ، ولا ينبغي للإمام أن يعقده . من