الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1690 359 - حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى، عن ابن جريج، عن عطاء قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يخبرنا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار - سماها ابن عباس فنسيت اسمها-: ما منعك أن تحجين معنا؟ قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه، لزوجها وابنها، وترك ناضحا ننضح عليه، قال: فإذا كان رمضان اعتمري فيه، فإن عمرة في رمضان حجة أو نحوا مما قال.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " اعتمري فيه"؛ أي: في رمضان.. إلى آخره.

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد ذكروا غير مرة، ويحيى هو القطان، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء هو ابن أبي رباح.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم أيضا في الحج عن محمد بن حاتم عن يحيى، وأخرجه النسائي فيه عن حميد بن مسعدة، عن سفيان بن حبيب، وفي الصوم عن عمران بن يزيد.

                                                                                                                                                                                  قوله: " عن عطاء" وفي رواية مسلم: " أخبرني عن عطاء". قوله: " يخبرنا يقول" ؛ جملتان وقعتا حالا، و"يقول" من الأحوال المترادفة أو المتداخلة. قوله: " فنسيت اسمها" القائل هو ابن جريج، قال شيخنا زين الدين في شرح الترمذي: وإنما قال ذلك مع أن الذهن لا يتبادر إلا إلى عطاء أنه هو القائل؛ لأن البخاري أخرج هذا الحديث في باب حج النساء من طريق حبيب المعلم عن عطاء فسماها، ولفظه: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية: ما منعك من الحج.. الحديث، فعلم من هذا أن المرأة المبهمة في قوله: " لامرأة من الأنصار" هي أم سنان الأنصارية، وقد ورد في بعض طرق حديث ابن عباس أنه قال ذلك لأم سليم، رواه ابن حبان في صحيحه من رواية يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: حج أبو طلحة وابنه وتركاني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة . ويعقوب هذا هو ابن عطاء بن أبي رباح، وفي ترجمته روى ابن عدي هذا الحديث في الكامل، وروى قول أحمد: فيه ضعف، وقول ابن معين: ضعيف الحديث، وليس بمتروك.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أن تحجين معنا" هكذا هو بالنون في رواية كريمة والأصيلي، وفي رواية غيرهما: " أن تحجي" بحذف النون، وهذا هو الأصل؛ لأن "أن" ناصبة فتحذف النون فيه، وقيل: كثيرا يستعمل بدون النصب؛ كقوله تعالى: "إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح" على قراءة من قرأ بسكون الواو في "يعفو"، وكقوله: "أن يتم الرضاعة" بالرفع على قراءة مجاهد. قوله: " ناضح" بالنون والضاد المعجمة المكسورة، وبالحاء المهملة، هو البعير الذي يستقى عليه، وقال ابن بطال: الناضح البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه، لكن المراد هنا البعير [ ص: 117 ] لتصريحه في رواية بكر بن عبد المزني عن ابن عباس في رواية أبي داود بكونه جملا.

                                                                                                                                                                                  (قلت): ولو لم يصرح بذلك في الحديث فإن المراد به البعير؛ لأنهم لا يستعملون غالبا في السواقي إلا البعران.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وابنه" ؛ أي: ابن أبي فلان. قوله: " لزوجها وابنها" ؛ الضمير فيهما يرجع إلى المرأة المذكورة من الأنصار، ورواية مسلم توضح معنى هذا، وهي قوله: " قالت: ناضحان كانا لأبي فلان زوجها، حج هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي نخلا لنا" وهو معنى قوله: " وترك ناضحا ننضح عليه " بكسر الضاد، وفي رواية لمسلم: " قالت لم يكن لنا إلا ناضحان فحج أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحا ننضح عليه.." الحديث.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فإن عمرة في رمضان حجة" وارتفاع حجة على أنه خبر "إن" تقديره: كحجة، والدليل عليه رواية مسلم، وهي قوله: " فإن عمرة فيه تعدل حجة" ، وفي رواية أخرى لمسلم: " فعمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معي"، وكأن البخاري أشار إلى هذا بقوله: " أو نحوا مما قال"؛ أي: النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني: (فإن قلت): ظاهره يقتضي أن عمرة في رمضان تقوم مقام حجة الإسلام، فهل هو كذلك؟

                                                                                                                                                                                  (قلت): معناه كحجة الإسلام في الثواب، والقرينة الإجماع على عدم قيامها مقامها، وقال ابن خزيمة: إن الشيء يشبه بالشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها؛ لأن العمرة لا يقضى بها فرض الحج، ولا النذر، ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى هذا الحديث نظير ما جاء أن: " قل هو الله أحد " تعدل ثلث القرآن، وقال ابن العربي : حديث العمرة هذا صحيح، وهو فضل من الله ونعمة، فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها، وقال ابن الجوزي: فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب، وبخلوص القصد، وقيل: يحتمل أن يكون المراد أن عمرة فريضة في رمضان كحجة فريضة، وعمرة نافلة في رمضان كحجة نافلة. وقال ابن التين: قوله: " كحجة" يحتمل أن يكون على بابه، ويحتمل أن يكون لبركة رمضان، ويحتمل أن يكون مخصوصا بهذه المرأة، وقد قال بعض المتقدمين بأنه مخصوص بهذه المرأة، فروى أحمد بن منيع في مسنده بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن امرأة من الأنصار يقال لها: أم سنان أنها أرادت الحج.. فذكر الحديث، وفيه: " فقال سعيد بن جبير: ولا نعلم لهذه المرأة وحدها "، ووقع عند أبي داود من حديث يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل في آخر حديثها: " فكانت تقول: الحج حجة، والعمرة عمرة"، وقد قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لي فما أدري ألي خاصة أو للناس عامة. انتهى"، والظاهر حمله على العموم.

                                                                                                                                                                                  وروى الترمذي من حديث الأسود بن يزيد عن ابن أم معقل، عن أم معقل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عمرة في رمضان تعدل حجة، وأخرجه أبو داود من وجه آخر من رواية إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: أخبرني رسول مروان الذي أرسل إلى أم معقل قال: قالت أم معقل: كان أبو معقل حاجا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم قالت أم معقل: قد علمت أن علي حجة.. الحديث، وفيه: " عمرة في رمضان تعدل حجة"، وأخرجه النسائي من رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن امرأة من بني أسد يقال لها: أم معقل، فذكره، ولم يذكر رسول مروان، ورواه ابن ماجه فجعله من مسند أبي معقل، ولم يقل عن أم معقل، وابن أبي معقل الذي لم يسم في رواية الترمذي اسمه معقل، كذا ورد مسمى في كتاب الصحابة لابن منده من طريق عبد الرزاق عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن معقل ابن أبي معقل عن أم معقل قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمرة في رمضان تعدل حجة، ومعقل هذا معدود في الصحابة من أهل المدينة، قال محمد بن سعد: صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، وهو معقل بن أبي معقل بن نهيك بن إساف بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة، وقيل: إن اسم أبي معقل: الهيثم، وأم معقل لم يدر اسمها، وهي أسدية من بني أسد بن خزيمة، وقيل: أنصارية، وقيل: أشجعية. قال الترمذي بعد أن روى حديث أم معقل: وفي الباب عن ابن عباس، وجابر، وأبي هريرة، وأنس، ووهب بن خنبش، ويقال: هرم بن خنبش.

                                                                                                                                                                                  (قلت): حديث ابن عباس في البخاري، ومسلم، وقد مر، وحديث جابر أخرجه ابن ماجه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عمرة في رمضان تعدل حجة.

                                                                                                                                                                                  وحديث أبي هريرة وحديث أنس رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عمرة في رمضان كحجة معي ، وفي إسناده مقال، وحديث وهب بن خنبش [ ص: 118 ] رواه ابن ماجه من رواية سفيان عن بيان وجابر عن الشعبي عن وهب بن خنبش قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمرة في رمضان تعدل حجة.

                                                                                                                                                                                  .

                                                                                                                                                                                  (قلت): وفي الباب أيضا عن يوسف بن عبد الله بن سلام، وأبي طليق، وأم طليق، فحديث يوسف بن عبد الله أخرجه النسائي عن حديث ابن المنكدر قال: سمعت يوسف بن عبد الله بن سلام قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار وامرأته: اعتمرا في رمضان فإن عمرة فيه كحجة، وحديث أبي طليق رواه الطبراني في الكبير من حديث طلق بن حبيب عن أبي طليق، أن امرأته أم طليق قالت: يا نبي الله ما يعدل الحج معك؟ قال: عمرة في رمضان، وحديث أم طليق رواه ابن منده في كتاب معرفة الصحابة من رواية أبي كريب قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن المختار بن فلفل عن طلق بن حبيب عن أبي طليق، أن امرأته، وهي أم طليق، قالت له، وله جمل وناقة: أعطني جملك أحج عليه، فقال: هو حبيس في سبيل الله، ثم إنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعدل الحج؟ فقال: عمرة في رمضان.

                                                                                                                                                                                  قال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى: ويجوز أن يكون هذا الطريق أيضا من حديث أبي طليق لا من حديثها، وقد قيل: إن أم طليق هي أم معقل، لها كنيتان، حكاه ابن عبد البر عن بعضهم في ترجمة أم معقل. وقال شيخنا: وقد رأيت في كلام بعضهم أن أم سنان المذكورة في حديث ابن عباس هي أم معقل هذه، قال: وفيه نظر.

                                                                                                                                                                                  (قلت): يمكن أن يكون وجه النظر ما قاله بعضهم أن أم سنان أنصارية، وأم معقل أسدية، ولكن قد قيل: إنها أنصارية، فعلى هذا القول تكون المرأة المذكورة في حديث ابن عباس هي أم عقيل.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية