( قوله ولم يعد بعودها إلى القلة ) أي كما إذا لم يعد وجوب الترتيب بعود الفوائت إلى القلة بسبب القضاء بعد سقوطه بكثرتها فإنها صحيحة لأن الساقط قد تلاشى فلا يحتمل العود كالماء القليل إذا تنجس فدخل عليه الماء الجاري حتى كثر وسال ثم عاد إلى القلة لا يعود نجسا واختاره ترك رجل صلاة شهر مثلا ثم قضاها إلا صلاة ثم صلى الوقتية ذاكرا لها الإمام السرخسي والإمام البزدوي حيث قالا ومتى سقط الترتيب لم يعد في أصح الروايتين وصححه أيضا في الكافي والمحيط وفي معراج الدراية وغيره وعليه الفتوى وقيل يعود الترتيب وليس هو من قبيل عود الساقط بل من قبيل زوال المانع كحق الحضانة إذا ثبت للأم ثم تزوجت ثم ارتفعت الزوجية فإنه يعود لها واختاره في الهداية وقال إنه الأظهر مستدلا بما روي عن فيمن محمد فالفوائت جائزة على كل حال والوقتيات فاسدة إن قدمها لدخول الفوائت في حد القلة [ ص: 94 ] وإن أخرها فكذلك إلا العشاء الأخيرة لأنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها ا هـ . ترك صلاة يوم وليلة وجعل يقضي من الغد مع كل وقتية فائتة
ورده في الكافي والتبيين بأنه لا دلالة فيه لأن الترتيب لو سقط لجازت الوقتية التي بدأ بها ولأن الترتيب إنما يسقط بخروج وقت السادسة ولم يخرج هنا ولا يمكن حمله على ما روي عن أن الترتيب يسقط بدخول وقت السادسة لأن حكمه بفساد الوقتية التي بدأ بها يمنع من ذلك إذ لو كان مراده على تلك الرواية لما فسدت التي بدأ بها أول مرة لسقوط الترتيب عنده وذكره في فتح القدير وارتضاه ورده محمد الشيخ قاسم في حاشيته على الزيلعي بأنه مبني على ما روي عن فقد نص جماعة من محققي المشايخ على أن من أصل محمد أنه إذا دخل وقت السادسة سقط الترتيب إلا أن سقوطه يتقرر بخروج وقت السادسة فإذا أدى وقتية توقف جوازها على قضاء الفائتة وعدمه فإذا قضي دخلت الفوائت في حد القلة فبطلت الوقتية لأنها أديت عند ذكر الفائتة ولذا صرح في رواية محمد سماعة عن في تعليل ذلك بقوله لأنه كلما قضى فائتة عادت الفوائت أربعا وفسدت الوقتية إلا العشاء فإنه صلاها وعنده أن جميع ما عليه قد قضاه فأشبه الناسي ا هـ . محمد
وما أجيب به في المعراج من أن المسألة مفروضة فيمن مد الوقتية التي شرع فيها إلى آخر الوقت ثم قضى الفائتة بعد خروج الوقت ولا بد أن يكون الشروع في سعة الوقت إذ لو كان عند الضيق لكانت الوقتية صحيحة رد بقوله في الكتاب صلى مع كل فائتة وقتية ومع للقران وذكر في فتح القدير ولا يخفى أن إبطال الدليل المعين لا يستلزم بطلان المدلول فكيف بالاستشهاد وحاصله بطلان أن يكون ذلك نصا عن في المسألة فليكن كذلك فهو غير منصوص عليه من المتقدمين لكن الوجه يساعده بجعله من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته وذلك أن سقوط الترتيب كان بعلة الكثرة المفضية إلى الحرج أو أنها مظنة تفويت الوقتية فما قلت زالت العلة فعاد الحكم الذي كان قبل كحق الحضانة ا هـ . محمد
وفيه نظر لأنا قد نقلنا عن الإمامين السرخسي والبزدوي كما في غاية البيان أنه متى سقط الترتيب لم يعد في أصح الروايتين وفي المحيط لم يعد في أصح الروايات فكيف يقال إنه غير منصوص عليه من المتقدمين وهو أصح الروايات عن المتقدمين إذ الروايات إنما هي منسوبة إليهم لا إلى المشايخ وليس هو من قبيل زوال المانع في التحقيق لأن المقتضي للترتيب مع كثرة الفوائت ليس بموجود أصلا ولذا اتفقت كلمتهم متونا وشروحا على أن الترتيب يسقط بثلاثة أشياء فصرح الكل بالسقوط والساقط لا يعود اتفاقا بخلاف حق الحضانة فإنه المقتضي لها موجود مع التزوج لأنه القرابة المحرمية مع صغر الولد وقد منع التزوج من عمل المقتضي فإذا زال التزوج زال المانع فعمل المقتضي عمله فالفارق بين البابين وجود المقتضي وعدمه ولذا كان الأصح في مسألة وأخواتها عدم عود النجاسة كما ذكرنا المني [ ص: 95 ] إذا فرك من الثوب ثم أصابه ماء
ولو قال المصنف ولم يعد بزوالها ليكون الضمير راجعا إلى الثلاثة أعني ضيق الوقت والنسيان وصيرورتها ستا لكان أولى لأن الحكم كذلك فيها قال في المجتبى ولو لا يعود على الأصح حتى لو خرج في خلال الوقتية لا تفسد على الأصح وهو مؤد على الأصح لا قاض سقط الترتيب لضيق الوقت ثم خرج الوقت لا يصح وكذا لو واقتداء المسافر بعد غروب الشمس في العصر بمقيم شرع فيه في الوقت لا يعود ولو سقط مع النسيان ثم تذكر يمضي لضيق الوقت وكذا لو غربت وكذا لو افتتحها عند الاصفرار ذاكرا ثم غربت ا هـ . نسي الظهر وافتتح العصر ثم ذكره عند احمرار الشمس
وقوله واقتداء المسافر ينتجه كونه مؤديا كما لا يخفى والذي ظهر للعبد الضعيف أن ما ذكره في المجتبى من عدم عوده بالتذكر خطا لأن كلمتهم اتفقت عند ذكر المسائل الاثنى عشرية السابقة أنه لو فإن كان قبل القعود قدر التشهد بطلت صلاته اتفاقا وإن كان بعد القعود بطلت عنده وعندهما لا تبطل فقد حكموا بعوده بالتذكر ولهذا قال في معراج الدراية والنهاية أنه لو تذكر فائتة وهو يصلي بالاتفاق ا هـ . سقط بالنسيان وضيق الوقت فإنه يعود بالتذكر وسعة الوقت
ولذا والله أعلم اقتصر في المختصر على عدم العود بقلة الفوائت وإن حمل ما في المجتبى على تذكره بعد الفراغ من الصلاة فيكون محل الخلاف لا فيما صلاه حالة النسيان وتذكر قبل الفراغ فبعيد مخالف لسياق كلامه في ضيق الوقت لتصريحه فيه بعدم العود ولو خرج في خلاله بقي هاهنا كلام وهو أنه بعد أن حكم باستحقاق الترتيب بين الفائتة والوقتية وبين الفوائت حكم بسقوطه بثلاثة أشياء فشمل النوعين وقد قدمنا أن سقوطه بكثرة الفوائت يشمل النوعين الترتيب بين الفائتة والوقتية في المستقبل
وأما بالنسيان فالظاهر شموله لهما وأما بضيق الوقت فهو خاص بالترتيب بين الفائتة والوقتية وأما الترتيب فيما بين الفوائت فلا يسقط به حتى لو قدم المتأخرة من الفوائت عند ضيق الوقت لا يجوز لأنه ليس بمسقط حقيقة وإنما قدمت الوقتية عند العجز عن الجمع بينهما لقوتها مع بقاء الترتيب كما ذكره الشارح .
[ ص: 94 ]